ويقال : يجردهم عن كل صفة إلا ما عليه فطرهم يوم القيامة فينادي المنادي على أحدهم هذا الذي أطاع واتقى ، وهذا الذي عصى وطغى ، وهذا الذي أتى ووجد ، وهذا الذي أبى وجحد ، وهذا الذي عرف فأقر ، وهذا الذي خالف فأصر ، وهذا الذي أنعمنا عليه فشكروا ، وهذا الذي أحسنّا إليه فكفر ، وهذا الذي سقيناه شرابنا ورزقناه محابنا ، وشوقناه إلى لقائنا ، ولقيناه خصائص مراعتنا ، وهذا الذي وسمناه بحجتنا وحرمناه وجوه قربتنا ، وألبسناه نطاق فراقنا ، ومنعناه توفيق وفاقنا ، وهذا وأخجلتنا من وقوفي وسط دراهم إذ قال لي معرضا : من أنت يا رجل.
(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) عند البعث (صَفًّا) أي : مصطفين مترتبين في الموافق لا يحجب بعضهم بعضا كل في رتبة (لَقَدْ جِئْتُمُونا) أي : قلنا لهم ذلك اليوم لقد جئتمونا حفاة عراة عزلا فرادى أي : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ) بإنكاركم البعث (أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور.
ومعنى قوله سبحانه : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) شاهدوا الحق على وصف فطرة الأولية حيث لا أعمال ، ولا أحوال ، ولا نطق ، ولا أقوال محتاجين إلى عين منه ينظرون بها إليه ، وإلى سمع منه يسمعون بها منه ، وإلى قلب يعقلون به عنه ، وإلى روح يعيشون به ، وهم هناك على حد الفناء عن أوصاف الخليقة مغلوبين بأسرار قهر الأزل دهشين بين يدي جبروته ؛ كأنهم يخرجون من العدم عاجزين في أنوار القدم يسألون عنهم على أي شيء كنتم ، وعلى أي موقف وقفته من معرفة الجلال ومحبة الجمال فيهيجهم فضله العميم وكرمه القديم إلى نطق بالجواب فيقولون : نحن ما كنا في مهاد الولاية شاربين ألبان الزلفة من ثدي القربة ، ساكنين عن غبار الوحشة ، والان جئناك على لباس العبودية ملامين في دار المحبة.
قالت سكينة من هذا؟ قلت لها |
|
أنا الذي أنت عن أعزائه زعموا |
قوله تعالى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) كتاب الأعمال يوضع الزهاد والعباد ، ويوضع كتاب الطاعة والمعصية للعموم ، ويوضع كتاب المحبة والشوق والعشق ؛ لأهل الخصوص فكم من زفرة مكتوبة ، وكم من أوه مكتوب ، وكم من غيرة منقوشة ، وكم من حرقة معرفة ، وكم من لوعة الاشتياق مشهودة ، وتلك الكتب بنظائر حقائق أنوار أسرارهم مشحونة ، وهي لفضائل هؤلاء المشتاقين منشورة ، وأودعت الفؤاد كتاب شوق سينشر طيه يوم القرار بعرض كتبهم على الأولين والاخرين ؛ حتى يعترفوا بجهلهم عن معرفتهم في الدنيا بأستار ، فكم من عارف ليس كتاب ، وهو من أهل السر في سر السر ما عرف ملكه ما