بتذلل النفس في الطريقة ، فلما أبوا أن يضيفوهما نزلا من مقام السؤال إلى الكسب والكسب من أوصاف السالكين ، والسؤال من أوصاف المجذوبين الذين لا يطيقون أن يشتغلوا بالمكاسب ، ويضيعوا أنفسهم بالاشتغال بالكسب بل يسألون ما يحتاجون بلحظة ، ويفرغون من ذلك بلحظة ، وطريق السؤال بالحقيقة للتمكين أن يكون المسئول في البين هو الله عزوجل ، والسؤال سبب ضعيف ، فإذا كمل الحال يسقط السؤال والكسب ، وفيه بيان أن الكسب والسؤال لم يمنعا العارف من مقام الرضا والتوكل ؛ لأن مع جلالة قدرهما سألا واكتسبا وكانا في محل التوكل والرضا على أحسن الأحوال.
قال الواسطي في قوله : (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) الخضر شاهد أنوار الملك ، وشاهد موسى الوسائط ، وكان الخضر أخبر موسى أن السؤال من الناس هو سؤال من الله فلا تغضب عن المنع فإن المانع ، والمعطى واحد ، فلا تشهد الأسباب ، وأشهد المسبب تشريح من هواجس النفس ، ولما أقام الخضر الجدار ، وترك أجر العمل.
قال موسى : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) لم يكن موسى يطمع في أجرة العمل لكن وجد أهل القرية لئاما بخلاء أراد أن يأخذ أجرة العمل ويتصدق بها لأمرين شحنه لعيون البخلاء داء.
هكذا قال عليهالسلام في وصف تلك القرية قال : كانت قرية اللئام ، وقال : طعام البخيل داء ، ويمكن أنه أراد أن يأخذ الأجرة ، ويأكل منها الأنبياء فيغفر الله لأهل القرية ذنوبهم ويجعلهم أسخياء ببركتهم ، وكان موسى في مقام الرفاهية والأنس ، وتضر به المجاهدة ، وكان الخضر بعد قد بقي في منازل ، وكان موسى في بحر نيران الاشتياق ، ولا يصبر عن الطعام ، وهكذا حال أهل النهايات ، وكان عليهالسلام في بدء الأمر في مقام السماع والمشاهدة صبر عن الطعام والشراب أربعين يوما ، وكان نبينا صلىاللهعليهوسلم من المعراج روي أنه جاع في الساعة ، وذلك من صولة الحال ، وكان ميل الخضر إلى ترك أجره العمل ، وهذا من دأب الفتيان.
قال ابن عطاء : رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل.
ألا ترى الكليم لما قال للخضر : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) كيف فارقه.
وقال الجنيد : إذا وردت ظلم الأطماع على القلوب حجبت النفوس عن حظوظها من بواطن الحكم ، ولما انتهى علم الخضر إلى كمالها وعرف موسى شأنه ، وحد علمه ، وكاد أن يغلب على الخضر بأن يطلب منه أسرار العلوم الربانية الصفاتية الذاتية علم الخضر أنه بنفسه لا يطيق أن يجيبه ، مما يدفعه فيفرغ منه فعلل بقوله : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) عرف الخضر سر موسى وآنسه بجمال الحق ، وأنه ممتحن في صحبته فأراد أن يريحه من صورة العلم