«الكاف والهاء والياء والعين والصاد» ، ففي هذه الحروف الخمسة بيان أسرار القدم والبقاء والأزل والأبد وسر الصفات والذات ولا يعرفها إلا حبيب من حبيب الحبيب مع حبيب غائب في الحبيب حاضر مع الحبيب ، سكران في مشاهدته ، صاح في شهوده ، فيستفيد معنى المعاني من هذه المباني.
قال إبراهيم بن شيبان : أما «الكاف» فالله الكافي لخلقه ، و «الهاء» فالله الهادي لخلقه ، و «الياء» يد الله على خلقه بالعطف والرزق والعين ، فالله عالم بما يصلحهم ، و «الصاد» فالله صادق وعده ، قيل : «الكاف» معناه الكافي للمسائلين حوائجهم ، و «الهاء» هادي الضالين ، و «العين» علم معاني إشارات المتعرضين في حوائجهم ، و «الياء» النداء بهذه الدعوات ، و «الصاد» صادق فيما وعد للمؤمنين.
قال بعضهم : كريم بعفوه ، هاد بجوده ، عالم بمصالح عباده ، صادق فيما أخبره.
قال الأستاذ : تعريف الأحباب بأسرار ومعالي ، وقد وقع لي من قبيل لطائف الخطاب كافي هم العارفين في طلبهم وصله ، وهادي العارفين بنفسه إلى نفسه ، ثم إلى ذخائر ما في كنوز قدمه من علومه المجهولة الغيبية ينادي بلا بل بساتين ورد وصّاله العارفين حتى يزيد رغبتهم في المسارعة بنعت الشوق والمحبة إلى جلال بقائه عليهم بألم فؤاد العارفين في داء فقدان قدمه ، ووجدان وجود بقائه صادق بصدق مواعيد قرباته ، ومداناته للعارفين ، ورفع حجب الاحتشام عن قلوبهم حتى ينظروا إليه بنظر البسط والانبساط لا بنظر القبض والهيبة ؛ لأن هناك مقام تمتعهم بجماله وجلاله وصحبته ووصاله ، وهذه الحروف عيون رحمة ذاته ، وكرم صفاته بأنبيائه وأوليائه ؛ لذلك قال سبحانه : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) ، وتخصيص زكريا برحمته وذكره أنه كان عليهالسلام تعرض بنعت الفناء والعجز بجلال جبروته وعظائم ملكوته ليهب له من يرث منه علوم الحقيقة ، ولطائف حكم الإلهية ، فأخبر سبحانه عن تعطفه به ورحمته الكافية عليه بأنه أجاب دعوته وأعطى مأموله ، وجعله إماما للخاضعين ، ومقتدى للسائلين.
قال الحريري : في هذه الحروف سبب رحمة ربك عبده زكريا.
قال ابن عطاء : ذكر اختصاص زكريا بالرحمة ، وإن كانت رحمته قد وصلت إلى الأنبياء فخصّ زكريا من بينهم باللطف رحمة ، وهو أن وهب له يحيى الذي لم يعص ولم يهم بمعصية ؛ فهذا هو محل اختصاصه.
ثم وصف الله سبحانه نبيه زكريا بلطائف المناجاة ، وخفي الذكر في المراتبات بقوله :