والكرم والصبر على النوائب ، والرضا بالمقدور.
(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))
قال ابن عطاء في قوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)) : يرضى منه أخلاق الظاهر ، ويرضيه عنك في الباطن.
وقال جعفر : «ورضيّا» أي : راضيا بما يبدو له عليه.
قال أبو حفص : اعتذر إلى ربه في ضعفه عن القيام بالعبادة على حسب ما يريد ثم هو سبحانه بشّره بما سرّه ، فقال : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) يحيى بحياته ، ومشاهدة جماله ، ومعرفة كماله ، نفخ نفس صبح القدم في يحيى ، فيحيى من موت العدم بأنوار القدم ، وإذا بحياته لم يمت بموت الفرقة ، وما طرأ عليه طوارئ فبهر الغيرة ، وقد تخصص من بين الأنبياء والرسل وجميع الخلق من طريان الامتحان الذي يكون سبب حجاب القلوب عن الغيوب ، ولذلك خصّ اسمه وخصه بهذا الاسم المبارك بقوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) فكان في اسمه «ياءان وحاء» ؛ فالياء الأولى ياء نداء الحق في الأزل نادى الحق بنفسه إلى العدم ، ودعا من نفسه بنفسه وجود عبده يحيى ، فتكون بياء نداء الأزل ، وأجاب الفطرة الفعلية نداء الحق فصار قائما بقدرته بعد أن تجلى الحق من «حاء» حياته لتلك الفطرة ، فصيرورته بروح الحق وروح حياة الحق فنادت تلك الفطرة بعد كونها ، ودعت صانعها وأقرت بربوبيته ، فالياء الأول نداء الربوبية من العدم.
والياء الثاني من اسمه نداء بنعت الجواب بالعبودية من العدم فألبسه الحق بين ياءين روحا من حاء حياة الأزلية فصار حيّا بحياته ، مقدسا من غمرات الموت ، ولا اعتبار بذهاب الصورة عن البين فإنه نقل مع نقل الروح لذلك قال عليهالسلام : «نحن معاشر الأنبياء أجسادنا أرواحنا» (١).
قال الصبيحي : سماه يحيى ، وقال : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)) افتتح اسمه
__________________
(١) لم أقف عليه.