بالياء ، وختمه بالياء ، وتوسط بين ياءين حاء الحنانية ، فاسمه في الخط مرسوم موجه يقرأ من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله.
فياء الأول توفيق ، وياء الاخر تحقيق ؛ فلذلك لم يعص ، ولم يهم بمعصية ؛ فقال الجنيد : سمي يحيى ، ولم يكن له من قبل سميّا ؛ لأن يحيى من يحيا بالطاعة والموافقة ، ولا يموت بالذنب والمخالفة ، وكان هذا صفته ونعته لم يجر عليه وسم الخلاف ، ولا لسان الذنب بحال ، كان محمود السيرة من مبتدأ أمره إلى منتهاه ؛ لذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما أحد من الخلق إلا أخطأ أو همّ بخطيئة إلا يحيى بن زكريا ؛ فإنه ما أخطأ ولا همّ» (١).
قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)) هذا جواب قوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)) ما شكّ في قدرة القادر ، لكن تفحص من شأن الحال حتى يقع نظر سره على تجلي القدرة وسرها لعل ينكشف له عين ذات الأزلي.
فأجابه الحق : أين أنت مما طهر في نفسك مما تطلب في خلق ابنك؟ انظر إلى وجودك بعين الحقيقة ؛ حتى تراني في كونك ، وتستغني عن النظر إلى غيرك ، ألبست نور قدمي فعلي ، وألبست نور فعلي العدم وصيرتك موجودا بظهور وجودي بنعت قدمي بعدمك.
قال الواسطي في قوله تعالى : (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)) : المقادير صرحت بمعانيها ، وكشفت عن أوقاتها.
وقال أيضا : أنت في حال وجودك كأنك في حال عدمك عندنا لا تحدث لنا في عدمك ووجودك حالة لم تكن لا الأشياء ثابتة في حال وجودها ، ولا هي بائنة في حالة عدمها إذ وجودها وعدمها عند الحق سواء لا ثبات لشيء.
قال جعفر في قوله : (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) : استقبل النعمة بالشكر قبل حلولها.
وقال الروذباري : غاية الرجاء في غاية اليأس ، وهو في قصة زكريا حين قال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) قوله له مثل يحيى.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً
__________________
(١) رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٦ / ٣٤٦) ، وعبد الرزاق في «المصنف» (١١ / ١٤٤) بنحوه.