وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))
قوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) الكتاب كلام الحق الأزلي ، كلف الله سبحانه يحيى عليهالسلام حمل كتابه الأزلي ، وأمره أن يأخذ بقوة قال : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) معا ذكرناه في قسمة أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية التي ألبستها روحك وصورتك حين خلقتك بمباشرة قوتي الجبارية الأزلية ، ولو لا تلك القوة في نفسه كيف كان يأخذ الكلام القديم ، والقديم لا يحتمل إلا بقوة من القدم.
أي : خذ كتابنا بنا لا بك ، خذ بقوتنا لا بقوة الحدثية ، وأيضا خذ كتابنا بمعرفة كتابنا ، وبمعرفتنا تعرف معاني حقائق كتابنا ، وأيضا خذ باستعانتك بنا بأخذ كتابنا.
ثم وصف امتنانه عليه حيث ما بالى أنه لم يكن بالغا بقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) عرفناه مكان الحقيقة في معرفة صفاتنا وذاتنا في زمان صباه ؛ لأن روحه خرجت من عالم الملكوت كاملة بأنوار الجبروت ، وأيضا آتيناه الحكمة البالغة والمعرفة الشاملة والفراسة الصادقة والمحبة الشافية.
قال ابن عطاء : «الحكم» المعرفة.
وقال جعفر : التوفيق لاستعمال آداب الخدمة.
قال الحسين : كان روح يحيى معجونا بأنوار المشاهدة ، ونفسه معجونة باداب العبودية والمجاهدة ؛ لذلك قال له : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)).
وقال يوسف بن الحسين : أوتي يحيى حكما على الغيب ، وفراسة صادقة لا يخالطها ريب ولا شك.
ثم وصف الله سبحانه صفيه يحيى بالطهارة والرحمة والتقوى بقوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣)) أي : آتيناه رحمة من عندنا تلك الرحمة العندية أنه تعالى ألبسه كسوة من صفات رحمته ، حتى جعله رحمة للمنقطعين ، وشفاء لمرضى المحبين ، وجعله مطهرا بأن قدسه في بحر جلاله بزلال وصاله عن غبار الامتحان وعماء العصيان ، وجعله تقيّا معرضا عن غيره ، مقبلا عليه بنعت الشوق والمحبة.
قال الواسطي : ذلك الذي أوجب له الانبساط والدلال.
وقال سهل : رحمة من عندنا ، وطهرة طهرناه بها من ظنون الخلق فيه ، وكان تقيّا معرضا عما سوانا ، مقبلا علينا.