قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥)) افهم أن المتقي من يتقى مما دون الحق ولا يتقي إلا بأن وقاه الله من طريان النفس والهوى على قلبه وآنسه بأنسه فالمتقون الخارجون بنور مشاهدة الله عن ظلمات الأكوان إذا كان وقت حشرهم أركبهم الله على مراكب أنوار تقواه ودعاهم إلى مشاهدته ووصاله وأنزلهم عيون الرحمانية وأعطاهم من بحار رحمته جميع مأمو لهم لذلك ذكر اسم الرحمانية أي : لم يكن هناك وحشة قطع الامال إذا نزلوا موارد الجلال والجمال ، وهذا وصف المتقين الذين هم أهل بنايات المقامات فأما العارفون فهو بنفسه يحملهم في ميادين الازال والاباد ويبقيهم في معارج أنوار الذات والصفات ، ولو لا حمله إياهم كيف يقطعون براري الديمومية وقفار الأزلية والحدثان ساقطة في أودية قهر الربوبية.
قال ابن عطاء : بلغني عن الصادق أنه قال أي : ركبانا على متون المعرفة.
وقال جعفر : المتقي الذي اتقى كل شيء سوى الله والمتقي الذي اتقى متابعة هواه فمن كان بهذا الوصف ؛ فإن الله يحمله إلى حضرة المشاهدة على نجائب النور ليعرف أهل المشهد محله فيهم.
وقال الواسطي : أي : ركبانا وذلك حجابهم ؛ لأنه من جذبته زينته عن الحق حتى ينسيه ولا يجذبه ذكر الحق عن الأعراض جذب الزينة فهو الكاذب في دعواه.
وقال أيضا : لما لم يوافقه صفة ولا نعتا في الدنيا حشرهم في الاخرة إلى الله باسم الرحمانية يسوقهم سوقا أرفق ما كان بهم وأكثر شفقة لا يعرجون إلى غيره ولا يلتفتون سواه.
وقال الأستاذ : قيل : ركبانا على نجائب طاعاتهم وهم مختلفون فمن راكب على صور طاعاتهم ومن راكبي على مراكب هممهم ومن راكب على نجائب أنوارهم ومن محمول يحمله الحق في عقباه لكما يحمله اليوم في دنياه وليس محمول الحق كمحمول الخلق.
(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢))
قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) إن الله سبحانه أخبر عن عظيم افتراء الكفرة عليه لما في قلوبهم من مخائيل الشيطانية وهواجسهم النفسانية ، قالوا في حق الحق سبحانه ما يليق بالحدث لا ما يليق بالقدم فلم يقع وصف الحدث على القدم ، ولم ير مقالتهم في الحق موضعا في البرية لمكانها فقصدت السماوات والأرض والجبال ؛ لأنها منصرفة عن جناب الربوبية قهرا وغيرة ، فنزلت على السماوات والأرض والجبال ، فلم يحتمل بها السماوات والأرض والجبال من عظمها فتكاد السماوات