بالبحر فانفلق ، وغير ذلك أراد بذلك أن علم الخلق وإن كانوا مؤيدين بالنبوة قاصر عن علم الحق في الأكوان.
قال الواسطي : في قوله : (أَلْقِها يا مُوسى) : اطرح عن نفسك السكون إلى العصا والاعتماد عليها ، وعدّ المنافع فيها فلما ألقاها ، وخلا منها سره ، (قالَ خُذْها) الان منا على الشرط أن ترانا النافع والضار لا الأسباب.
وقال ابن عطاء : ألقها من يدك ؛ فإنك أخذتها من غيرنا ، فعددت فيها أسباب المنافع ، وخذها منا لنكون ولي نعمتك دون غيرنا.
وقال الجنيد : كان خوف موسى خوف التسليط لا خوف الطبع.
وقال الواسطي : خوف موسى من العصا أنه شاهدها فيه أثر سخطه.
وقال أيضا : رأى موسى على عصاه كسوة من سخط الحق ، ولم يأمن من مكره.
وقال ابن أنبار في قوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) قال : كلام بسط ليزول عنه روعة الهيبة.
وقال الأستاذ في قوله : (أَلْقِها يا مُوسى) : فإنك بنعت التوحيد واقف على بساط التفريد ؛ فكيف يصح لك ، ومتى يسلم لك أن يكون لك معتمد تتوكأ عليه أو مستند إليه تستعين بهنّ وتنتفع ، ولما وجد الحق كليمه مستقيما في محبته وشوقه وتبرئه من جميع الأسباب بعد إلقائه عصاه أراه أنوار ملكه وملكوته في نفسه ، وما كان في عصاه من شهود جاد أن أظهر له من يده حتى رأى من يده ما رأى من عصاه ، فإن فيها العجائب أكثر والغرائب فيها أوفر ؛ لأن النقل من رؤية الأشياء إلى رؤية مشهد النفس زيادة القربة ؛ لأن ما يتجلى من الإنسان للإنسان أشرب مما يتجلى من الكون له.
ألا ترى سبحانه كيف ميّز بين الأمرين العظيمين بقوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] ، وذلك معنى قوله سبحانه لكليمه : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) اضمم يد همتك عن غير شهود كبريائنا ، ومشاهدة جمالنا تخرج بيضاء متصفة بنور أحديتنا مقدسة بقدسنا عن الأكوان والحدثان ، فيكون بعد ذلك آيات تجلينا بظهور نور تجلي كبريائي من وجهك للعالمين ، وأيضا واضمم يدك الظاهرة إلى جيبك الذي فيه قلبك حتى تخرج بيضاء بما فيه من نور نظرنا ومشاهدتنا ، وأيضا فيه مقام الأدب أي : واضمم يدك التي تكسر بها الأرواح ، وتأخذ بها رأس هارون ، ووكزت بها القبطي من تلك الحركات حتى تكون موضع معجزتنا ، ولي فيه واقعة كنت يوما حضرت