آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١))
قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧)) لا تعجب ؛ فإن النفس الأمّارة بقيت في الأنبياء ؛ ألا ترى إلى قول الصديق المرسل يوسف عليهالسلام : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] ، وتلك النفوس جبانة خلقت عاجزة عن حمل وارد القهريات ، وإن رأت كثيرا من آيات الله لا يخرج من جبلتها قال تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] خاصة أن الله سبحانه ألبس سحر السحرة لباس قهره فتحركت بقوة قهر الله ؛ فلما رأى موسى انقلاب لباس قهر الله خاف من قهر الله لا من غيره ؛ لأنه (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)) [الأعراف : ٧].
سئل ابن عطاء عن قوله : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً) ما كانت هذه الخيفة ، والله يقول : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) ، قال : خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله ، وما خاف على نفسه فلما وجد الحق حركة نفس موسى في رؤية قهر الجبروت ، قال الله : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨)) أي : إنك محفوظ بعيون رعاية جبروتنا ، ومعك الايات الكبرى وهو لباس حفظنا ، أنت في لطفنا تسبق على القهر وأصله «سبقت رحمتي غضبي» (١).
قال ابن عطاء : لا تخف فإنك بمرأى منا ، ومسمع منا ونحن معك في جميع أحوالك ؛ فإنك القائم بالمسبب ، وهم معتمدون على الأسباب.
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما
__________________
(١) رواه البخاري (٦٩٩٨) ، ومسلم (٤٩٤٠).