غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١))
قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) إن القوم شاهدوا في رؤية الايات مشاهدة الذات والصفات ، فهان عليهم عظائم البليات.
قال ذو النون : من آثر الله على الأشياء هان عليه ما يلقى في ذات الله ؛ لأنه آثر الأثير ، وحصل في حمله اللطيف الخبير.
قال الله حاكيا عن السحرة : (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) افعل بنا ما كنت فاعلا ؛ فإن الذي كشف لنا عنه يسهل في مشاهدته حمل المؤن ملاقاة المكاره والضرر.
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥))
وقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)) من كان له استعداد النظر إلى عالم الغيب وباشر حظوظ النفس احتجب عنه ، فلما انقطع إلى الله ينظر الله إلى قلبه بنعت الإخلاص واليقين يكشف الله له أنوار حضرته ويجذبه إلى قربه ، فلما رجع إليه بالكلية لا يبالي الله سبحانه بما جرى عليه في أيام الحجاب من أحكام مقاديره ؛ لأنه كان معذورا من جهة جهله بالطريق ، فالتائب المنقطع إلى الله والمؤمن العارف بالله العامل بالصالحات ترك ما دون الله ، فإذا كان كذلك فاهتدى بالله إلى ما لله ، وما في الله ويكون مغفورا برحمة الله ومعصوما بعصمة الله.
قال ابن عطاء في قوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) لمن رجع من طريق المخالفة إلى طريق الموافقة ، وصدق موعود الله فيه وله واتبع السنة (ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)) أقام على ذلك لا يطلب سواه مسلكا وطريقا.
قوله تعالى : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤)) (١) ضاق صدر موسى من معاشرة
__________________
(١) فإن العجلة محمودة إذا كان المقصود الرضا ، والله المعين في كل الأحوال.