وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨))
قوله تعالى : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أن الله سبحانه أراد بقوم من بني إسرائيل فتنة المحبة فأوقعهم في بحر المخائيل حتى عبدوا العجل ؛ لأنه تعالى ربما أجرى طوفان عزة جلال ربوبيته فأغرق فيه قوما ، وذلك من كمال فرط محبته إظهار جماله وجلاله ومن كمال ذلك المعنى لا يبالي أن يري جلال ربوبيته للعوام فخلق طباع عبدة العجل رقيقة مائلة إلى حسن فعله من حركات سره في صميم إرادتهم إلى طلب ما ألقي من نور وجهه إلى الغيب ومن الغيب إلى الأفعال ، وذلك جذب عجيب علته محبة الله شوق المشتاقين وحب المحبين فتجلى من قدسه وجلاله وجماله لفعل الخاص ، ومن فعله الخاص لفعله العام ، وتجلى من فعله العالم فبرز منه روح القدس فاثر به الحياة القدسية في كل من عكس عليه نوره فورد على تراب فقبض السامري من أثر فرسه قبضة ؛ لأنه سمع من موسى تأثير القدسيين في أشباح الأكوان فنثر على العجل الذهبي فجعل الحق سبحانه لها إكسيرا من نور فعله فأنور العجل بنور فعله ، وجعله حياله خوار فتحركت سر تلك الفطرة المختبئة في قلوبهم فطلبوا المعدن ولم يعرفوا طريقه فوجدوا سكون محبتهم في رؤية العجل الذي ملبوس بنور الفعل فغلطوا وعبدوه من غاية حبه ، قال سبحانه : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] أي : حب العجل وهذا من نوادر تجلي الالتباس ، ألا ترى كيف كانوا إذا علموا مواضع الغلط قتلوا أنفسهم لله ومقصود الحق من ذلك أن يرى أحباءه على بابه قتلى صرعى.
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥))
قوله تعالى : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) لما قص غلط عبدة العجل وغيرة موسى عليهم وذبحه العجل وحرقه وإفراده القدم عن الحدوث بقوله تعالى : (إِنَّما