مستفاد من كرمه والحادث بمعرفته لا يعرف ماهية حديثه فكيف يعرف سر السر وعين العين وعلة العلل ، أفهم أن ما تدرك منه يرجع إليك بكل معروف ومفهوم ومعلوم فكلها متقى إدراك حقيقة ذاته وصفاته.
قال ابن عطاء : لا يحيطون بشيء من ربوبيته علما ؛ لأنه لم يظهر شيئا إلا تحت تلبيس ؛ لكيلا يستوي علمان في شيء واحد ومن لا يرى الكل تلبيسا كان المكر به قريبا ، والعبيد لا يقفون على تلبيساته.
وقال الواسطي : كيف يطلب أحد طريق الإحاطة وهو لا يحيط بنفسه علما ولا بالسماء ، وهو يرى جوهرها ثم زاد ذكر غلبة عزته وجلاله واشتمال أنوار هيبة ذاته وصفاته على كل ذرة من العرش إلى الثرى بقوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) افهم يا صاحب العلم أنه سبحانه ذكر الوجوه ، وفي العرف : «صاحب الوجه من كان وجيها عند كل ذي وجاهة» ؛ فالأنبياء والمرسلون والأولياء والمقربون في الحقيقة هم أصحاب الوجوه ، وكيف أنت بوجوه حور العين ووجه كل ذي حسن وحسن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها ، المستفاد من حسن الله ، وإن كانوا جميعا مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جلاله وجماله القديم.
وقال سهل : خضعت له بقدر معرفتها به وتمكين التوفيق منه.
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧))
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)) عن الله سبحانه وتعالى إبصار سر نبيه وحبيبه ، وكشف لها بحار علومه الأزلية وعرفه مكان قصور علمه فيها فأمره باستزاده ، وقال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)).
قال محمد بن الفضل : «رب زدني علما» نفسي وما تضمره من الشرور والمكر والغدر لأقوم بمعونة في مداواة كل شيء منها تداويها ، ثم أخبر سبحانه عن لسان آدم صورة الأمر من غلبة سطوة إرادته بقوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) إن الله سبحانه قدر قبل الكون وقبل آدم أن آدم مصطفى مجتبى بالرسالة والنبوة وعلم الأسماء والجلال والكمال وأنه يعرف الله بطريق كل اسم من أسمائه ونعت من نعوته ، ونعت قهر جبروته ، فجر آدم