باسمه إلى نعته ومن نعته إلى صفته ، ومن صفته إلى رؤية ذاته فألبس نور بهائه الشجرة المنهية وأراه ذلك النور والبهاء الرباني ، ثم أمره بالاجتناب عنها وألقي في قلبه محبة قربها ؛ لأنها مرآة جلاله يتجلى لادم منها فغلبت المحبة على الأمر وسلبته لطائف هذا الجمال فوقع في هيجان شوقها وغمار لذة بهاء مشاهدتها فترك صورة الأمر لشوق جمال الأمر ووقع في بحر القهر بغير مبالاته على العهد ؛ لأن عهد الأزل باصطفائيته سابق عهد الأمر فمن رؤيته عهد الأزل ترك عهد الأمر فاجترأ لعلمه بمكانته بوصف الاصطفائية عند الحق وقبوله ؛ لأن بعد القبول الأزلي لا يؤثر فيه مباشرة المعصية ، وقوله : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)) لم يجد الحق في قلب آدم عزم متابعة أمر الظاهر عند العهد ؛ لأن في قلبه رؤية ما يتولد من أكل الشجرة من خروج عرائس المقدرات الغيبية من مكمن القدم ، يا عاقل فديت لنقض عهده الذي بسببه بدا إعلام دولة المرسلين والنبيين والصديقين وحقيقة عهد الله مع آدم ألا يسكن بشيء دونه ، وإن كان وسيلة إلى قربه ومشاهدته فلما ارتهن في طريق الوصول بوسيلة وقع العصيان عليه لما لم يسلك في طلب الحقيقة بنعت التجريد وإسقاط الوسائط قال ابن عطاء : عهدنا إلى آدم ألا لا تطالع معي سواي فنسى عهدي وطالع الجنان.
(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)) أي : لم يطالع سره ، ولكن طالعه بعينه فنادى عليه (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى).
وقال الواسطي : ونسي ولم نجد له عزما أي : قوة على ضبط نفسه ، وإن كان الواجب أن ارتكاب المباشرة أوجب زوال النسيان فإن غيبته عن شاهده ليريه شواهد عبوديته تنبيها وتزيينا وقال أيضا : (فَنَسِيَ) وجهان أي : جهل قدر عهده وفرق بين من نسي بالحضرة وبين من نسى في الغيبة ، لذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» (١).
(إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢))
قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) خاف آدم في سره قبل دخول الجنة أن ينقطع عن لذائذ مشاهدته ووصاله في الجنة وأن يحتجب عن روح الأنس والنظر إلى جمال
__________________
(١) رواه ابن ماجه في سننه (٦ / ٢١٧) ، والحاكم في «المستدرك» (٢ / ٢١٦) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٦ / ٨٤).