القدس ، وأن يعرى عن ثوب عافية الرعاية والكفاية باشتغاله عنه بالجنة ، وهذا قرع سر القدم باب سر سره بأن ما يخاف عنه يقع فيه في ظاهر العلم ، فأخبره سبحانه (لَكَ أَلَّا تَجُوعَ) في شوقك إلى مشاهدتنا ؛ لأن هناك تستغرق في بحر وصالنا ولا تعرى عن لباس أنوار الاصطفائية ؛ فإنك ملبس أبدا بكسوة الاجتبائية ، وأنت في ظل عنايتنا لا تعطش إلى مياه الزلفة ؛ فإنك تكون في الوصلة ، ولا تضحى لا تحترق في حر شمس الفراق ، فلما وقع عليه واقعة الامتحان من القدر السابق صار عريانا في الجنة عما دون الله ، وذلك أنه سبحانه جرب صفيه بالجنة ، وأجرى عليه شهوة الحنطة ، فلما رآه في حجاب الامتحان جرده عن الجنان وأفرده عن الأكوان والحدثان غيرة على سر ما في قلبه ، وفيه إشارة أخرى كأنه أشار بالسرّ أي : لا تأكل الشجرة المنهية كيلا تجوع ولا تعرى ؛ فإن من خالقنا وقع في بحر الحجاب وعرى عن ستر الماب.
قال ابن عطاء : آخر أحوال الخلق الرجوع إلى ما يليق بهم من المطعم والمشرب ، ألا ترى إلى آدم بعد خصوصية الخلقة باليد ، ونفخ روحه الخاص ، وسجود الملائكة كيف رد لي نقص الطبائع بقوله : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨)).
قال الواسطي : خلق الله آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، واصطفاه على الخلائق ، ثم رده إلى قدره لئلا يعدو طوره قال : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨)) وما تعرض لي في حكم الظاهر أن الله سبحانه قال لادم : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧)) أي : لو تخرجا من الجنة بسبب المعصية تتعبا في الدنيا لأجل المطعم والمشرب والملبس في الحراثة ، وغيرها في الدنيا وتعرى وتظمأ وتضحى ، ولا يكون مثل هذه العقوبات في جنبي وجواري ، كأنه خاطب معه من حيث الطبيعة خوف نفسه بالجوع والعرى والظمأ في الهواجر ؛ لأن النفس لا تفزع إلا من مثل هذه العقوبات لئلا تقع في جوار الحق في المعصية ، وإن من لطفه وكرمه عاقب آدم في الدنيا بالمجاهدات الكبيرة بما جرى عليه من المعصية في الحضرة ويعاقب المجهود في الاخرة بما جرى عليهم من المعصية في الدنيا وهذا خاصية له ؛ لأن عقوبة الدنيا أهون ، ولو لا امتحان الله آدم بأكل الشجرة ، ومثل هذا الخطاب لم يخرج آدم من الجنة ، ولم يظهر أسرار علوم حقائق قهرمانه لأهل المعارف من الصديقين ، ولم يقع عنده عذر المذنبين فخاطبه من حيث العبودية والحدوثية ولو خاطبه من حيث الربوبية لطار في الجنة في هواء الهوية ، ولم ير أثره في الزمان والمكان ، ولا في الجنان والحدثان.
سئل ابن عطاء عن قصة آدم : إن الله عزوجل نادى عليه بمعصية واحدة وستر على كثيرين من ذريته ؛ فقال : إن معصية آدم كانت في بساط القربة في جواره ، ومعصية ذريته في دار المحنة ،