فزلته أكبر وأعظم من زلتهم ، ولما أراد الله أن يخرج من ذريته الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين ابتلاه بأكل الشجرة فقفاه الشيطان حتى يوسوس ، وهذا سر القدر الغيبي كأنه يوسوسه القدر ، قال : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠)) أجرى الله هذه الكلمة الغيبية على لسان الشيطان ، وهو بذلك مغرور ظن أنه أوقع آدم في تيه الفرقة الأبدية ، ولم يعلم أن ذلك سبب الوصلة الأبدية ، وأنها شجرة الخلد بالحقيقة ؛ لأن الشجرة ملبسة بأنوار السلطانية حاملة بأسرار الربانية (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أسرارهما التي انكشفت لهما من الغيب بعد أكل الشجرة ، ولم يبد تعبيرها ؛ فلما حازا الأسرار الألوهية خرجا من تحت موت الجهل ، وبلغا إلى ملك لا يبلى ، وذلك الملك الوقوف بالعلم الإلهي على أسرار قدر الازال والاباد دلهما الشيطان إلى هذه المعالم والمعادن الغيبية ، وهو معزول عنها مثله مثل حية تمشي على وجه الأرض إلى رأس كنز ، وخلفه إنسان ليقتلها فلما ضربها ظهر تحت ضربه كنز فصار الكنز له ، وصارت الحية مقتولة ، وبلغ إلى الأمرين العظيمين البلوغ إلى المأمول والفلاح من العدو ، فهكذا شأن آدم عليهالسلام مع الملعون دله إلى كنز من كنوز الربوبية غرضه العداوة والضلالة فوصل آدم إلى الاجتبائية الأبدية بعد الاصطفائية الأزلية وبلغ الملعون إلى اللعنة الأزلية الأبدية.
قال الحضرمي : بدت لهما ، ولم تبد بغيرهما لئلا يعلم الأغيار من مكافأة الجناية ما علما ولو بد للأغيار ، لقال : بدت منهما ثم ذكر سبحانه تغيير آدم بالظاهر ، وأخفى تلك الأسرار في الباطن قال : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١)) عصيان آدم الرجوع من الأصل إلى الفرع ومن مكاشفة إلى الجنة ، والميل من طريق الأمر إلى طريق النهي ، ولو سلك طريق الأمر ليكشف الحق سبحانه ما كان في الشجرة بغير عصيان ؛ لأن في بساتين غيبه مائة ألف ألف شجرة غيبية مملوءة حاملة من علوم الأسرار ، ولكن سلبته صولة المحبة ، وتعجيل الاشتياق أكل من شجر القدم ، وصار سكران في وادي الأزل يكشف علم الأزل له فطلع على الجنان ، وكاد يفشي سر السر وغيب الغيب ، ويشوش أحوال الجنانين ؛ فأخرجه الحق إلى حبس الدنيا ، وحبس لسانه عن إفشاء سر القدم والبقاء ؛ فكان اصطفائيته الأزلية مصحوبة زلته ، فاستهلكت الزلة في الاصطفائية ، وزاد عليها اجتبائيته الأبدية التي لا تغيرها حوادث الدهور.
قال ابن عطاء : اسم العصيان مذمة إلا أن الاجتباء والاصطفاء منعا أن يلحق آدم اسم المذمة بحال.
قال جعفر : طالع الجنان ونعيمها بعينه فنودي عليه إلى القيامة ، وعصى آدم ، ولو