قال الجنيد : أهل الذكر العالمون بحقائق العلوم ومجاري الأمور ، والناظرون إلى الأحكام بأعين الغيب.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤))
(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧))
قوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) (١) أي : ذكر مناقبكم من حيث الأرواح القدسية والأشباح الإنسية والعقول الملكوتية والأسرار الجبروتية والنفوس الهوائية ، وهذه المراتب الجامعة لا تحصل إلا لادم وذريته ، وفيه بيان خبر الأزل بكرامتكم وخيريتكم على البرية ، أين أنتم من معرفة نفوسكم لا تعقلون شرف نسبتكم في معرفتي ووصولكم إلىّ بعنايتي الأزلية.
قال سهل : العمل بما فيه حياتكم.
قال الأستاذ : أي : شرفكم وفخركم ؛ فمن استبصر بما فيه من النور سعد في الدنيا والاخرة.
قوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) كم قلب خرب عمران بنور ذكر الله بظلم الطبيعة ومباشرة الشهوة والدعاوي الباطلة ، والنظر إلى الأغيار ، وصار محجوبا بها عن مشاهدة الأنوار وحقائق الأسرار.
وقال أبو بكر الوراق : في ظلم خراب العمران كما قال عليهالسلام : «الظلم ظلمات يوم القيامة» (٢).
إذا أظلم القلب عن المعرفة والإخلاص خرب ، وعلامة خراب القلب عصيان الجوارح وتعديها وميلها إلى ما فيه هلاكها ، ولذلك قال الله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ
__________________
(١) أي : طوال الدهر بالخير إن أطعتم ، والشر إن عصيتم ، وبه شرفكم على سائر الأمم بشرف ما فيه من مكارم الأخلاق التي كنتم تتفاخرون بها وبشرف نبيكم الذي تقولون عليه الأباطيل ، وتكثرون فيه القال والقيل. نظم الدرر (٥ / ٢٩٠).
(٢) رواه البخاري (٢٣١٥) ، ومسلم (٢٥٧٨).