قال الحسين : تجلى الحق لسره وكشف له أنوار كرامته ، فلم يجد للبلاء ألما ، قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) لفقدان ثواب البلاء والضر إذا صار البلاء لي وطنا وعليّ نعمة.
وقال بعضهم : نال كل عضو منه البلاء إلا موضع النداء ، فنادى الضر من الباقي منه على العافية لا عن مواضع البلاء ؛ فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ).
أدرك بقية نفس فيك قد تلفت |
|
قبل الممات فهذا آخر الرّمق |
ولو مضى الكلّ منها لم يكن عجبا |
|
وإنّما عجبي للبعض كيف بقي |
سئل الجنيد عن قوله : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، قال : عرفه فاقة السؤال ليمنّ عليه بكرم النوال.
ثم أخبر الله سبحانه عن رفعه البلاء عن نبيّه ، وإجابة دعوته ، وإخراجه من الضر بقوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) حقيقة هذه الاية أن الله عرف خوف أيوب من فوت مشاهدته ووصاله ووقوفه بأسراره في بلائه ؛ فاستجاب دعوته ، ورفع عنه مكائد قهره في ابتلائه ، وغيرة ربوبيته على عبوديته ، فكاشفه جماله وجلاله بعد أن ألبسه لباس العافية ، فارتفع الضر من جميع الوجوه ، وبقي في شهود جماله ؛ فصار إليه البلاء والعافية واحدا.
قال بعضهم : استجاب دعاءه ، وفتح عليه أبواب الرضا لئلا يعارض بعد ذلك في حال لا مستكشفا للبلاء ولا متلذذا به ؛ لأن كليهما موضع العلل ، والرجوع إلى النفس وتربيتها.
قال الأستاذ : لم يقل : ارحمني بل حفظ آداب الخطاب ؛ فقال : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣)).
قوله تعالى : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)) تسلية للمحبين الصابرين وتذكرة للمتعبدين.
قال الواسطي : موعظة للمطيعين عند نزول المحن بهم ، وتعريضا على الرضا ، وحسن الدعاء من غير تصريح به بل إظهارا للحال.
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) كان يونس عليهالسلام في منزل الانبساط والعربدة ؛ فغضب عليه إذا شغله بشريعته عنه ، وعن مشاهدته وقربه