مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)) كان في علم الأزلية أن أرض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعبّاد والأبرار والأخيار ؛ لأنهم أهل الأعراض والثواب والدرجات ، وأن مشاهدة جلال أزليته ميراث أهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه ؛ لأنهم في مشاهد الربوبية ، وأهل الجنة في مشاهد العبودية.
قال سهل : أضافهم إلى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معناه : لا يصلح لي إلا ما كان لي خالصا لا يكون لغيري فيه أثر وهم الذين أصلحوا سريرتهم مع الله ، وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه ، ثم بيّن سبحانه أن كلامه الأزلي يبلغ الصديقين إلى معادنه من رؤية الصفات والذات الأزلي بقوله : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦)) مشاهدين جلالنا وجمالنا بهممهم العلية ، وقلوبهم الحاضرة وعقولهم الصافية وأرواحهم العاشقة ، وأسرارهم الطاهرة.
قال سهل : لم يجمع البلاغ لجميع عباده بل خصّ القوم العابدين ، وهم الذين عبدوا الله ، وبذلوا له مهجتهم ، لا من أجل عوض ، ولا لأجل نار ولا جنة بل حبّا له وافتخارا بما أهلهم من عبادتهم إياه.
ثم وصف الله سبحانه حبيبه محمدا صلىاللهعليهوسلم بأنه أرسله رحمة إلى جميع خلقه بقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) إنما الفهم أن الله سبحانه أخبرنا أن نور محمد صلىاللهعليهوسلم أول ما خلقه في الأول من جميع خلقه ، ثم خلق جميع الخلائق من العرش إلى الثرى من بعض نوره ، فإرساله من العدم إلى مشاهدة القدم رحمة لجميع الخلائق إذ الجميع صدر منه فكونه كون الخلق ذكر أنه سبب وجود الخلق ، وسبب رحمة الله على جميع الخلائق إذ هو سبب وجود الجميع ، فهو رحمة كافية ؛ وافهم أن جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة في فضاء القدرة بلا روح حقيقية منتظمة لقدوم محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فإذا قدم في العالم صار العالم حيّا بوجوده ؛ لأنه روح جميع الخلائق.
قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) (١) ، ويا عاقل إن من
__________________
(١) قال سيدنا الجيلي في كتاب «الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم» ما نصه : الحقيقة المحمدية خلق العالم بأسره منها لما ورد في حديث جابر أن الله تعالى خلق روح النبي صلىاللهعليهوسلم من ذاته وخلق العالم