ثم وصفهم بالتسارع إلى الخيرات بقوله : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)) لطلب مرضاته ووصولهم إلى مشاهداته ، وهم في ذلك سابقون في الأزل من الله بالسعادات الأولية والاخرية.
قال بعضهم : في قوله : (وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)) : الإشفاق والخشية اسمان باطنان وهما عملان من أعمال القلب والخشية سر في القلب خفي والإشفاق من الخشية أخفى.
قيل : الخشية انكسار القلب من دوام الانتصاب بين يديه ، ومن بعد هذه المرتبة الإشفاق ، والإشفاق أرق من الخشية وألطف ، والخشية أرق من الخوف ، والخوف أرق من الرهبة ، ولكل منها صفة ومكان وأدب.
قال ابن عطاء في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨)) : مطالعة الكون بأبصار القلوب ، فتعلم أنها في حدّ الفناء ، وما كان بين طرفي فناء ؛ فهو فان فيؤمنون بالحق يفتح أبصار قلوبهم بالنظر إلى المغيبات.
وقال الجنيد في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩)) : من فتش سره فرأى فيه شيئا أعظم من ربه أو أجل منه ؛ فقد أشرك به ، إذ جعل له مثلا.
قال الواسطي : الخائف الرجل من لا يشهد حظه بحال.
قال بعضهم : وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته ؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة ، والطاعة تطلب تصحيحها ، والإخلاص والصدق فيها ؛ لذلك قال الله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا ...) الاية.
وقال أبو الحسن الوراق في قوله تعالى : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)) : ذلك بما تقدم من الايات بالمسارعة إلى الخيرات يبتغي درجة السابقين ، ويطلب مكارم الواصلين لا بالدعاوى والإمهال ، وتضييع الأوقات ، من أراد الوصول على المقامات من غير آداب ورياضات ومجاهدات ؛ فقد خاب وخسر وحرم الوصول إليها بحال.
وقال يحيى بن معاذ في قوله : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) : الراغبون في رضا المولى.
حكي عن الشبلي أنه قال : وصفهم بالإشفاق والخشية ، وذلك حين رفعهم مولاهم إلى منازل اليقين حتى وصلوا من علم اليقين إلى عين اليقين ، وشربوا من عين اليقين بكأس