الأمان ، وقصد التوبة ، فمن رجع إلى غير هذه الأسباب لم يسلم من فتنة نفسه ، وإن سلم من فتنة العوام.
قال الله : (فَلا يَتُوبُونَ) أي : لا يرجعون إلى الله بقلوبهم ، والراجع إلى الله سالم من الفتن والافات والهمّ.
(يَذْكُرُونَ) أي : لا يشكرون نعمى السالفة عندهم ، وهم يعلمون رفقي بهم في الفتنة.
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أخبر سبحانه عن كريم ميلاده عليهالسلام ، وعظيم ميعاده ومراده ، وشرّف بها أمّته ، حيث اختاره منها باصطفائية رسالته ، وعظّم شأنه ، والحمد لله الذي جعل طينته من طينتنا ، وشرّف طينتنا حيث جعلها من طينته ، وخصّ جوهر روحه من أرواحنا ، وشرّف أرواحنا حيث كانت مع روحع في أول بديهة الأمر من الله سبحانه ، وأي كرامة أعظم كرامة من أن الله سبحانه جعل نبيّنا من أنفسنا ، وأرسل إلينا بالرأفة والرحمة ، وأكرم خلقه حيث جعله رحمة للعالمين ، قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤].
قال الخرّاز : أثبت لنفسك خطرا ، حين قال : (رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).
قال الحسين : من أجلّكم نفسا ، وأعلاكم همّة ، جاد بالكونين عوضا عن الحقّ ، ما نظر إلى الملكوت ، ولا إلى السدرة ، (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] قلبه عن موافقته.
قال ابن عطاء : نفسه موافقة لأنفس الخلق ، خلقه ومبائنه لها حقيقة ، فإنها نفس مقدّسة بأنوار النبوّة ، مؤيّدة بمشاهدة الحقائق ، ثابتة في المحلّ الأدنى ، والمقام الأعلى ما زاغ ، وما طغي ، ثم زاد في وصفه ، بقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) اشتدّت عليه مخالفتنا مع الحقّ ، ومتابعتنا هوانا ، واحتجابنا عن الحقّ.
قال بعضهم : شقّ عليه ركوبكم مراكب الخلاف.
قال سهل : شديد عليه غفلتكم عن الله ، ولو طرفة عين ، ثم زاد في وصفه ، بقوله : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : حريص على محبّتكم بمشاهدة الله ، ومعرفة صفاته وذاته ، وعلى متابعتكم أمر الله ، رءوف برأفة الله بالمؤمنين ، ورحيم برحمة الله على الصادقين ، رءوف بأهل الجنايات من المدنيين ، ورحيم على أهل الطاعات من المقصّرين ، فيها تشفع لأهل الجنايات ، وتدعو لأهل الطاعات ، وهذا من اتّصافه بصفة الله ، حيث ألبسه أنوار عنايته ، وزيّنه بلطفه وشفقته.