قال سهل : النفس كافرة ، فقاتلها بمخالفة هواها ، واحملها على طاعة الله ، والمجاهدة في سبيله ، وأكل الحلال ، وقول الصدق ، وما أمرت به من مخالفة الطبيعة.
وعن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر معناه : مجاهدة النفس وشرورها ، فإنّه أقرب شيء يليك صدق الصادق ، حيث وافق قول سيّد الصادقين صلىاللهعليهوسلم : «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» (١).
قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) وصف الله أهل الإيمان بفتح آذان قلوبهم بسماع خطابه ، وفهم بيانه ، واستبشار قلوبهم بروح الخطاب ، وزيادة إيقانهم في السماع.
قال ابن عطاء : أمّا الذين حكموا الربوبيّة ، وتمسّكوا بعهد العبودية ، زادتهم معرفة في قلوبهم ، ونظرا أسقط عنهم النظر إلى ما سواه.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) جهّلهم على جهلهم عند معاينة البرهان ؛ لأنهم ليسوا من أهل العيان.
قال سهل : أي زاد أهل الأهواء والبدع المضلة جهلا إلى جهلهم.
قوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أخبر الله سبحانه عن أهل الفتنة والعزّة ، لا يعرفون طريق الحقّ بعد امتحانهم بالبلايا المتواترة ، ولا يهتدون سبيل الرشاد بعد إظهار البرهان لهم ، وكيف لا يكونون هكذا ، وهم في الأزل محجوبون عن عناية السرمديّة.
قال أبو عثمان المغربي : ليس الرجوع في أيّام الفتنة ، إلّا إلى الملجأ والاستغاثة ، وطلب
__________________
(١) رواه البيهقي في الزهد الكبير (٢ / ١٥٧).