الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤))
قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) اختار الله سبحانه قوما خاصا لمجالسة نبيّه عليهالسلام على الدوام ، وخصّهم لإلقاء الأسماع الخاصة ، لتلقف خطاب الحقّ من فلق الغيب ، وجعل الاخرين للأسفار والمجاهدات والرياضات ؛ ليبلغهم إلى مقام المشاهدة والصحبة ، فالأولون أهل الحضور وشهود الغيب ، والمؤانسة بالصحبة ، وفهم الخطاب.
قال تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) أي : ليفهموا حقائق أحكام المعرفة ، والطريقة والحقيقة ، والشريعة ، والاخرون إذا تمكّنوا في العبودية ، وأدركوا مقام أهل المؤانسة ، وفهموا مراد الله من خطابه ، وإذا الكلّ على سعادة من الأزل وحيث لحق بعضهم بعضا ؛ لأنّ شموس العناية إذا أشرقت يجاري الكلّ أنوارها ، إذا طلع الصباح لنجم راح تساوى فيه سكران وصاح.
قال سهل : أفضل الرحلة رحلة من الهوى إلى العقل ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الدنيا إلى الاخرة ، ومن الاستطاعة إلى التبرّي من الحول والقوة ، ومن النفس إلى التقوى ، ومن الأرض إلى السماء ، ومن الخلق إلى الله.
قال المرتعش : السياحة والأسفار على ضربين : سياحة ؛ لتعلّم أحكام الدين وأساس الشريعة ، وسياحة لاداب العبودية ورياضة الأنفس ، فمن رجع من سياحة الأحكام ، قام بلسانه يدعو الخلق إلى ربه ، ومن رجع من سياحة الاداب والرياضة ، قام في الخلق يؤدّبهم بأخلاقه وشمائله ، وسياحة هي سياحة الحقّ ، وهي رؤية أهل الحقّ والتأدّب بادابهم ، فهذا بركته تضم العباد والبلاد. قال الله : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ).
قال سهل في قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ليفهموا في الدين مراد خطابه ، ويقوموا باستعمال ما أمروا به مخلصين له الدين ، ثمّ حثّهم بقتال نفوسهم ، ومجاهدة هواهم ، بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) الكفّار : النفوس الابدة التي هي مجمع الهوى والبلاء والحجاب ، من عرفها قاتلها وأماتها بفنون الرياضات ، حتى لا يبقي في عرضات قلبه من عروق أشجار الشهوات أثر ، فينبت فيها بعد ذلك أشجار المعارف ، والكواشف ونور الحكمة ، ورياحين المودّة ، وورود الشوق ، وياسمين العشق ، ويكون بهذه الأنوار مزار جنود الأسرار ، ومنازل نزول الأنوار.