يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تأويله كذلك كذّب الّذين من قبلهم فانظر كيف كان عقبة الظلمين (٣٩) ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين (٤٠) وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون (٤١))
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : أثبت الحجة على أن الحدثان معلولة لا تزاحم القدم المنزه عن العلل ، وكيف يكون من العاجز القدرة على إيجاد الموجود ، وهو كان معدوما ، وفي وجوده عند قدم جلالة بالحقيقة معدوم حيث لا يقوم بنفسه بل يقوم بالقديم ، هذا ردّ على من أقبل إلى غير الله.
ثم وصف نفسه تعالى الشريك بأنه يبدئ الأشياء ويعيدها أبدا ، يكون بشهود قدمه على العدم بوصف كشوف جميع الصفات ، ثم يسلط أنوار العظمة والهيبة ، فتضمحل الحوادث تحت أذيال سرادق العزة ، (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بكشف جمال البقاء ، فيبقيها ببقائها في بقائه ، فينقلب في مدارك تصريفه بنعت المشيئة والإرادة القديمة ، يبدئ أنوار القيومية في قلوب العارفين ، فيبدئ بلطائفها حقائق المعرفة ، ثم يغشيها بسطوات الجلال حتى لا يبقى في ظهور المعروف سوى المعروف ، ثم يعيدها بكشف قناع الجمال ، وحسن البهاء فتبقى لشاهد حسنه.
قال ابن عطاء : يبدئ بإظهار القدرة فيوجد المعدوم ، ثم يعيدها بإظهار الهيبة نفس الموجود.
وقيل : يبدئ بكشف الأولياء ، فيمحو منها كل خاطر سواه ، ثم يعيده ، فتبقى بإبقائه ، فلذلك عظم حال العارف ، فلما قدس عليه الخليفة عن راحة الأزلية عرف مكان العلة المخاطبين بقوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي) ، صدق هذه الاية ما ذكر في الاية الأولى ، وهي مصداقها بأن الهادي لا يكون إلا المكون القديم ، والمنزه الأزلي كما أن وصفه القدرة القديمة ، فأيضا وصفه الهداية الأبدية ، هو تعالى يهدي بنفسه وكشف العارف وجوده للحق الذي على أوليائه وأصفيائه ، وهو حقائق العبودية والتأدب باداب الشريعة.
وأيضا : الله هو الحق يهدي أهله إلى نفسه بنفسه ؛ لأنه كان غيبا لا علة في الأزل ، فتحقق حق غيبيته على أهل محبته.
ثم عرف حقوقه لحقه لأهل حقيقته ، بأن يزيلوا علة النظر إلى غيره ، وأن يتبعوا المحبة