الأحوال والله يقول : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا).
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)).
سئل أبو عثمان عن الظن؟ قال : هواجس النفس في طلب مرادها.
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) : بيّن الله سبحانه عجز خواطر الجهل عن إدراك العلوم المجهولة عند أكثر الخلق المعروفة عند أهل المعرفة ، تنطق بها ألسنة الروحانيين والملكوتيين ، وهي من أسرار الملك والملكوت ، وعين الصفات والذات ، فلمّا لم يكونوا من أهل الخطاب كذبوا حقائق الخطاب الذي جرى على لسان الأولياء والصديقين والأنبياء والمقربين ، وهكذا عادة المفلسين والمنكرين كرامات أهل المشاهدات ، وفراسات أهل المكاشفات لجهلهم وغرورهم وقياساتهم الفاسدة.
قال تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) : يسمعون حقائق كلمات القوم ، التي هي مخبر عن حقائق أسرار الغيب ، ويسمونها ظلمات ، يا ليتهم لو يشمون من ألف فرسخ رائحتها لطاروا من الفرح بوجدانها ، لكن ما خلقوا لقبول الخلائق.
قال بعضهم : كذبوا أولياء الله في براهينهم لما حرموا ما خصّ القوم به ، والمحروم من حرم حظه من قبولهم وتصديقهم الإيمان بما يظهر الله عليهم من أنواع الكرامات.
قال أبو تراب النخشبي : إذا بعدت القلوب عن الله مقتت القائمين بحقوق الله.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣))
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ : «الناس أعداء لما جهلوا» (١).
ثم بيّن سبحانه أنهم يحرمون من سماع الخطاب الخاصة ، وعن رؤية جمال القديم بالبصائر الصافية عن كدورات عوارض البشرية بقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ).
هذه الاية مصدق الأول لما لم يسمعوا بأسماع العقول والأفهام خطاب الغيب ، كذّبوا حقائق الإلهام ، ولما لم يبصروا مشاهدة الحق بعيون القلوب كذّبوا ما أخبرهم أولياء الله مما
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ٢٤٢).