رأوا من أنوار الغيوب ، صرح الحق سبحانه أنهم مسلوبون في الأزل أسماع خصوصية العقول القدسية الملكوتية ، وأبصار الأرواح الجبروتية لا جرم لم يكن لهم استعداد قبول الحقائق وعلم الدقائق ، وقد تبين أن المعرفة بحقائق العلوم اللدنية والنظر إلى عالم الملكوت لم يكن مكتسبا ، بل هما موهبتان خاصتان من مواهب الله الخاصة الأزلية ، خصّ بهما في سابق علمه وأوائل حكمه أهل خالصة وده بغير اعتدال اكتسابهم ، ولو كان مكتسبا لكان النبي صلىاللهعليهوسلم قادرا على أن يسمعهم ويبصرهم ، بل فضل الله يؤتيه من يشاء من خواص عباده خالصة عرفانه ، والحمد لله الذي خصّ نجباءه بسمع الخاصة من أسماء صفاته ، والحمد لله الذي اصطفى أولياءه البصر الخاص من أبصار صفاته ، ولم يبق بين ذلك السمع والإسماع والخطاب حجاب ، ولم يبق بين ذلك البصر والإبصار ورؤية جماله نقاب.
قال الحسين : من استمع إليك بإيّاه فإنك لا تسمعه ، إنما تسمع من أسمعناه في الأزل فيسمع منك ، وأما من لم تسمعه فما إلا صم ، والسماع وإن سمع لم يعقل فكأنه لم يسمع.
قال الله تعالى : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) : إلا من أجرينا عليه حكم السعادة في الأزل.
قال بعضهم : إذا أنت لم تسمع نداء الله ، فكيف تجب داعي الله؟!
قال الله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)).
وقال الواسطي : ليس من ينظر إليك بنفسه يراك ، إنما يراك من ينظر إليك بنا ، فأما من ينظر إليك بنفسه أو به فإنه لا يراك ، ولا يراك إلا من يعمر أوقاته في رؤيتك ، ويستغرق هو فيها ، قال الله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني» (١).
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٩٦).