ورحمة الكاملة عن رؤية الاكتساب وعلى الاجتهاد وفرح فؤادهم بقوله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) : حكم في الأزل باختصاص أهل وده أن يختارهم لولايته ، ويصطفيهم بالنظر إلى مشاهدته ، وسماع خطابه بلا واسطة ؛ فالمشاهدة فضله ، والخطاب معهم والوصلة لا نهاية لهما ؛ حيث لا يقع لديهما لهم موانع من علل الحدوثية ، وعوارضات البشرية للرؤية واللقاء.
قيل : فضل الله دوام التوفيق ، ورحمته تمام التحقيق.
(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
قيل : فضل الله الرؤية ، ورحمته أبقاهم في حال الرؤية.
قوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) : أخبر عن عظيم اطلاعه على أسرار الخواطر وما يجري في الضمائر ، وكيف لا يطّلع وهو مبدؤها ومنشؤها.
قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)) : خوّف أشرف خلقه من اطلاعه ؛ حيث قال : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أي : ما تكون في طلب وسيلة منك إلى التوصل بها إليّ وما تتلو منه أي : من قرآن من خطابي التبليغ على عبادي لتخبت قلوبهم بلذة خطابي إلا وأنا منتظر قدوم أسرارك عليّ ، وأراعي خطرات قلبك حتى لا يجري ذكر غيري من العرش إلى الثرى ، فتح بهذا الخطاب لحبيبه أبواب أنوار عظمته ؛ ليكون عظيم الشأن في عيون العالمين ، ثم خاطب الجميع بهذا الخطاب بقوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) : من عبوديتي وطلب مشاهدة ربوبيتي : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) : مطّلعا على جريان هممكم على أسراركم بنعت كشف جلالي وعظمتي وإلقاء سطوة كبريائي على قلوبكم حتى لا تكونوا إلا مشاهدي عظائم جبروتي ، وشرائف ملكوتي ، ومعنى : (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) : عند عزائمكم في بذل وجودكم إليّ ، وكل حركة غيبية تجري عليكم.
ثم أخبر عن سلطان إحاطته على كل ذرة من العرش إلى الثرى بقوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ