أيضا ، يعني إذا قطع بالحكم بتمام ما هو الدخيل في موضوعه ، ثمّ شكّ أو قطع بارتفاع شيء من القيود لم يكن سبيل إلى الاستصحاب ، إنّما السبيل إلى الاستصحاب حيث لم يكن الموضوع مضبوطا بالدقّة ، بل تردّد الأمر في قيد أنّه دخيل أولا ، فيرجع إلى العرف في دخله ولا دخله على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى.
وبهذا يندفع ما قيل : إنّ الحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل عند انتفاء ما احتمل دخله في الموضوع من الأمور غير المقوّمة له مشكوك الاستمرار عرفا ؛ لاحتمال عدم دخله واقعا. نعم ، حكم العقل قطعي الانتفاء (١).
توضيح الاندفاع : أنّ المناط الذي به يحكم العقل في الصغريات مناط محكم لا تشابه فيه كي يحدّد بنظر العرف ، وهذا المناط الذي هو في الحقيقة موضوع حكم الشارع والعقل ينبغي إحرازه في زمان الشكّ ، وبدونه لا سبيل إلى الاستصحاب ، كما أنّه إذا أحرز أيضا لم يكن محلّا للاستصحاب ، بل يحكم العقل لا حقا كما حكم به سابقا.
وقد يقال : إنّ المناط الأوّل الذي حكم من أجله العقل وإن كان قطعي الارتفاع لكنّ احتمال وجود مناط أخر به يحكم العقل في الزمان الثاني باق ، فإذا احتمل بقاء الحكم الشرعي استصحب (٢).
ويدفعه : أنّ هذا القول مبنيّ على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي نظير ما إذا علم بوجوب إكرام زيد بمناط أنّه عالم ثمّ جاء زمان ذهب علمه وبقي مع ذلك احتمال وجوب إكرامه بمناط أنّه عادل ، ونحن نمنع جريان الاستصحاب فيه.
إذا عرفت هذا فلنشرع إلى ذكر عمدة ما هو الدليل على اعتبار الاستصحاب عندنا وهو الأخبار. وننقل الأخبار بأسانيدها تيمّنا ولزيادة الوثوق.
روى الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال :
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٨٦.
(٢) كفاية الأصول : ٣٨٧.