والحقّ بطلان الورود ، أمّا أوّلا ؛ فلأنّ دليل الاستصحاب وإن كان مغيّا باليقين بالخلاف لكنّ الظاهر أنّ متعلّق اليقين فيه هو اليقين بالحكم الواقعي كما أنّ متعلّق الشكّ فيه هو الشكّ في الحكم الواقعي ، فاليقين بالحجّة لا يكون غاية له حتّى يكون دليل الأمارة محصّلا لغايته رافعا لموضوعه حقيقة.
وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ دليل الأمارة أيضا موضوعها الشكّ وعدم قيام حجّة على الواقع وإن لم يقع التصريح بذلك فيه ؛ للقطع بأنّه لا تعتبر الأمارة مع اليقين بالواقع أو مع اليقين بالحجّة ، فكلّ من الدليلين لو أخذ كانت غاية الاخرى حاصلة به ، وهذا معنى المعارضة ؛ إذ لا وجه لتقديم ملاحظة أحد الدليلين ، والحكم بارتفاع موضوع الآخر.
وأمّا الحكومة فإن كان دليل اعتبار الأمارة بلسان تنزيل الظنّ منزلة اليقين ـ وبعبارة أخرى تتميم الكشف ـ أو كان بلسان تنزيل المؤدّى منزلة الواقع كما في «ما يقوله عنّي فعنّي يقول» (١) فهي صحيحة ، وأمّا إذا كان بلسان جعل الأمارة تعبّدا وإن كان بمناط أنّها كاشفة عن الواقع كما في مفاد آية النبأ (٢) والنفر (٣) فهي باطلة ، ولم تكن المعارضة.
فالعمدة ملاحظة لسان أدلّة اعتبار الأمارات في كلّ مورد مورد ، ولا وجه للحكم بتقديم الأمارات على الأصول بقول مطلق. فالعبرة في رفع المعارضة بكيفيّة التعبير ، فربما يكون في دليل الأصل كما في دليل الاستصحاب حيث إنّه بلسان ثبوت اليقين ، وربما يكون في دليل الأمارة ، وربما لا يكون في شيء منهما ، ففي الأخير يحصل التعارض ، وفي البقيّة يقدّم ما لسانه تنزيل الشكّ أو الظنّ منزلة القطع ، أو تنزيل المؤدّى منزلة الواقع.
ومنه يظهر أنّ دليل الأصل ربما يكون حاكما على دليل الأمارة ، وذلك كما إذا كان لسانه تنزيل الشكّ منزلة القطع ، وكان لسان دليل الأمارة مجرّد التعبّد بها بلا تتميم للكشف أو تنزيل للمؤدّى ، وإن كانت حكمة التعبّد هو كشفها عن الواقع كي تكون أمارة لا أصلا.
هذا كلّه حكم تقديم الأمارات على الأصول ، وأمّا تقديم الأصول بعضها على بعض
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٦٥ / ١ ؛ الغيبة للطوسي : ١٤٦ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٨ أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤. وفي المصادر : «ما قال لك عنّي فعنّي يقول».
(٢) الحجرات (٤٩) : ٦.
(٣) التوبة (٩) : ١٢٢.