وسيرة المتشرّعة ، أو اعتبرناه من جهة مجرّد التعبّد كما يظهر من رواية حفص بن غياث (١) ؛ لأنّه وارد في مورد الاستصحاب ، وقلّ ما يخلو مورده منه بحيث لو قدّمنا دليل الاستصحاب لكنّا قد طرحنا دليل اليد إلّا في مورد كان تخصيص العامّ بذلك مستهجنا جدّا.
وأمّا حكم الفقهاء بتقديم قول الخارج إذا اقرّ ذو اليد بأنّ الملك كان سابقا له وقد تلقّاه منه ـ مصرّحا بعضهم بأنّ ذلك للاستصحاب ـ فليس ذلك تقديما للاستصحاب على اليد ، حتّى لو كان إقراره بالملك للخارج إقرارا بملك سابق على زمان يده ، ولم يكن المقرّ له مصادفا لجزء من زمان يده حتّى تكون يده باطلا بإقراره.
وكيف يكون ذلك من تقديم الاستصحاب على اليد مع أنّه لا استصحاب لو لا اليد؟ إذ لا يقين وجداني بالملك السابق ، وإنّما اليقين بالملك السابق يقين تعبّدي حاصل من اليد بحكم «إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ» فتكون اليد هي التي مهّدت أركان الاستصحاب وهيّأت مقدّماته ، وشأن المتعارضين أن يكون كلّا من المتعارضين تامّ الجهات والأركان لو لا معارضه ، بل ذلك من تقديم الإقرار على اليد ، فكما إذا أقرّ بملك فعلي أخذ بالإقرار وترك اليد كذلك إذا أقرّ بملك سابق ؛ فإنّ إقراره ذلك إقرار بالاستمرار بحكم الشارع بالملازمة بين الثبوت والاستمرار.
ولذا تقدّم اليد على الاستصحاب فيما إذا كانت الحالة السابقة متيقّنة بالوجدان لا بالإقرار ، فالشارع بحكمه بالاستصحاب وسّع في دائرة الإقرار كما وسّع بحكمه ذلك في دائرة الطهارة المجعولة شرطا في «لا صلاة إلّا بطهور» وهل يتوهّم متوهّم أنّ ذلك من معارضة الاستصحاب بالدليل الاجتهادي؟!
__________________
(١) وهي ما رواه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال : «نعم» قال الرجل : أشهد أنّه في يده ، ولا أشهد أنّه له ، فلعلّه لغيره ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : «أفيحلّ الشراء منه؟» قال : نعم ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك؟ ثمّ تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق».
الكافي ٧ : ٣٨٧ / ١ ؛ الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٢ ؛ التهذيب ٦ : ٢٦١ / ٦٩٥ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٩٢ أبواب كيفيّة الحكم ، ب ٢٥ ، ح ٢.