المدرك كحجّيّة خبر الواحد وحجّيّة الظهور ، فإذا حصلت قوّة الاجتهاد في المدرك حصلت قوّة الاجتهاد في جميع المسائل ، وإذا لم تحصل لم تحصل القوّة في شيء منها ، أو أنّها تنتهي إلى أسناخ متعدّدة من المدرك كما في العلوم المتعدّدة ، فربما يجتهد الشخص في بعض منها ويصير ماهرا فيه ولا يد له في بعض آخر.
الحقّ أنّ في قسم النقليّات كلّ المسائل تنتهي إلى حجّيّة خبر الواحد وحجّيّة الظهور ، فلو اجتهد الشخص في هذين المدركين اجتهد في كلّ المسائل النقليّة ، ولو لم يجتهد فيهما لم يكن مجتهدا في شيء.
نعم ، الفروع المبتنية على المدارك العقليّة كمسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه من واد آخر ، ربما يجتهد الشخص في المسائل النقليّة ولا يجتهد فيها أو بالعكس.
وأمّا صعوبة بعض المسائل وسهولة أخر فذلك لا يوجب حصول الاجتهاد في السهل قبل الصعب ؛ فإنّ السهولة والصعوبة راجعة إلى العمل من غير دخل له بالقوّة والملكة ، ولذا ترى أنّ مرضا عسر العلاج يحتاج علاجه إلى طول زمان آخر سهل العلاج ، وذلك لا يوجب عدم مهارة الطبيب الحاذق في الأوّل.
وأمّا دعوى وجوب التجزّي في الاجتهاد ، وأنّ إطلاق الاجتهاد دائما مسبوق بتجزّيه وإلّا لزم الطفرة.
ففيه : أنّ الإطلاق والتجزّي إنّما هو بحسب عموم القوّة لكلّ مسألة وخصوصها ، لا بحسب مراتب القوّة والملكة كي لا يعقل الوصول إلى المراتب العاليّة إلّا بعد الوفود إلى المراتب النازلة. ومن المعلوم إمكان حصول القوّة في جميع المسائل دفعة واحدة ؛ لانتهاء الجميع إلى سنخ واحد من المدرك كما هو الحال في الصنائع ، فربّ صنعة تشترك مع صنعة أخرى في أصولها ، ولذا لازمت معرفة إحداهما معرفة الاخرى ، وربّ صنعة ليست بتلك المثابة ، بل عموم العلوم والصنائع تنتهي إلى جامع واحد ولو كان بعيدا. ولذا يسهل تعلّم بعض لمن تعلّم بعض آخر ، وكلّ ما ازداد اطّلاعا من العلوم والصنائع ازدادت سهولة.
ثمّ إنّ حجّيّة نظر المتجزّي بالنسبة إلى نفسه ممّا لا إشكال فيه ؛ فإنّه يقتضيه ما يقتضي