فالإسلام أكّد حدود بشريتهما أولاً، ثم أشار إلى حجّيتهما ثانياً بطاعتهما وعبوديتهما لله تعالى، ومع ذلك كلّه لم ما وُجِدَ من الكافرين غير التكذيب والإفك؛ إمّا معاداة أو علواً على الله تعالى بادعائهم ألوهيتهما، فلذا يصرّح القرآن بكلّ شدة على كفر من قال إنّ المسيح هو الله، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)(١) ولم يكتفوا هؤلاء بِغَيِّهم وكفرهم حتّى جعلوا الله ثالث ثلاثة وأشار إلى كفرهم (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ)(٢).
فقد دأب القرآن الكريم إلى كشف هذه الإعتقادات المزيّفة وفضحها لغرض تقنين المعتقد وعدم تسيّب الفكر بسبب الدوافع العاطفية والتي تؤول إلى فوضى فكرية حقيقية، فحدّد القرآن معالم هذا المعتقد وأطّره ضمن مبادىء ومسلّمات عقائدية والخروج عن هذه الدائرة الفكرية سيؤول إلى الغلو والضلال (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ
__________________
(١) المائدة / ٧٢.
(٢) المائدة / ٧٣.