والجهر (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وإذا علم القول علم الفعل لا يعزب عنه شيء فيهما (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [٤] بمقالتهم وأحوالهم.
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦))
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أي هم نقضوا أقوالهم في القرآن ، فقالوا بعد قولهم أنه سحر هو أضغاث أحلام ، أي أخلاط أحلام كاذبة رآها في النوم ، وضغث الحلم ما ليس له تأويل ، والضغث حزمة يكون فيه تخليط من النبات (بَلِ افْتَراهُ) أي اختلقه من تلقاء نفسه (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) أي كذاب فما يأتي به كذب ، ويعبر عن الكذب بالشعر ومنه قولهم أحسن الشعر أكذبه ، ثم قالوا بعد اختلافهم في القرآن (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) أي بعلامة (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [٥] يعني كما أتي الرسل من قبله بها فنزل قوله (١)(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار مكة (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها عند اتيان الرسل بالآيات التي اقترحوها فلذلك (أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) [٦] أي يصدقون إذا جاءتهم الآيات ، يعني لا يؤمنون لأنهم أطغى منهم ولا نريد أن نهلكهم بالاستئصال ، لأن هذه الأمة موعودة أن لا تستأصل إلى قيام الساعة ، فلذلك لم نعطهم مقترحهم.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧))
ثم نزل جواب هل هذا إلا بشر مثلكم (٢) وهو قوله (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ولم نرسل (٣) إليهم ملائكة بالرسالة ، قرئ بالنون وبالياء مجهولا (٤)(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي أهل التورية والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب ، فانهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا وإن أنكروا نبوة محمد عليهالسلام (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [٧] ذلك وإنما أحالهم على أولئك ، لأنهم كانوا مشاركين ومخالطين في معاداة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨))
قوله (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) أعلم الله به نبيه صلىاللهعليهوسلم أنه كالرسل المتقدمين ، أي ما جعلنا الأنبياء قبلك جسدا ، أي أجساما (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ولا يشربون ولا يمشون في الأسواق (وَما كانُوا خالِدِينَ) [٨] في الدنيا وهو رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويعيش ويموت فهو بشر مثلنا ، ولو كان رسولا لما أكل ولا مات كالملك ، ووحد الجسد لإرادة الجنس أو بتأويل ذوي الجسد.
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩))
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أي النجاة للأنبياء والهلاك للمشركين (فَأَنْجَيْناهُمْ) أي الأنبياء (وَمَنْ نَشاءُ) من المؤمنين (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) [٩] أي المشركين بالعذاب.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا كفار مكة (كِتاباً) أي القرآن (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي عزكم وشرفكم ، يعني شرف العرب ، وإنما عبر بالذكر ، لأن الشريف يذكر بالثناء الحسن أو ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم أو هو تذكرة لكم لترجوا من رحمته وتخافوا من عذابه (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [١٠] أي ألا تفهمون أن فيه شرفكم وموعظتكم فتؤمنون به.
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١))
(وَكَمْ قَصَمْنا) أي كسرنا (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (كانَتْ ظالِمَةً) أي كافرة ، والقصم بالقاف الكسر بانفصال
__________________
(١) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٦٢.
(٢) أخذ المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٣.
(٣) نرسل ، ح ي : أرسل ، و.
(٤) «نوحي» : قرأ حفص والأخوان وخلف بالنون المضمومة وكسر الحاء ، والباقون بالياء التحتية المضمومة وفتح الحاء. البدور الزاهرة ، ٢١٠.