والعقوبة ولاستحالة جواز الخطأ عليه ، ويجوز السؤال عنه على سبيل الاستكشاف والبيان كقوله (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ)(١) الآية (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [٢٣] لأنهم عبيده حقيقة فيسأل عما يفعلون من العدل والجور لإمكان الخطأ منهم ، فيقول لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤))
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) وإنما كرره استعظاما لكفرهم حيث جعلوا له شريكا فأنت (قُلْ) لهم يا محمد وصفتم الله بأن له شريكا (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على ذلك ، أي كتابكم الذي فيه عذركم (هذا) أي الوحي المنزل إلي من ربي ، يعني القرآن (ذِكْرُ) أي خبر (مَنْ مَعِيَ) على ديني إلى يوم القيامة وهم أمته (وَذِكْرُ) أي وخبر (مَنْ قَبْلِي) من الأمم الماضية والكتب السابقة للأنبياء ، فراجعوا إلى القرآن والتورية والإنجيل وسائر الكتب ، هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولدا أم لا ، فلما لم يرجعوا عن كفرهم أضرب عنهم بقوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ) أي لا يصدقون القرآن لجهلهم ، وقيل : لا يعلمون التوحيد (٢)(فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [٢٤] عن النظر فيما يجب عليهم أو مكذبون بالحق الذي هو القرآن والتوحيد.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥))
ثم بين ما أمر من التوحيد في جميع الكتب للرسل كما أمر في القرآن لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقال (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) بالياء مجهولا وبالنون معلوما (٣) على التعظيم ، أي نحن نوحي إليه كما نوحي إليك (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [٢٥] أي وحدوني ولا تشركوني.
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧))
ونزل لما قال بعض الكفار الملائكة بنات الله (٤)(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) فنزه نفسه عن ذلك بقوله (سُبْحانَهُ) أي سبحان الله عن وصفهم بالولد (بَلْ) هم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [٢٦] أكرم الله تعالى بعبادته ، والعبودية تنافي الولادة وهم يتبعون لقوله و (لا يَسْبِقُونَهُ) أي الله (بِالْقَوْلِ) أي بقولهم ، يعني لا يتقدمون قوله بقولهم بل يأتون بمرداه ولا يخالفونه (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [٢٧] أي عملهم مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به ، لأنهم عارفون مراقبون.
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨))
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا (وَلا يَشْفَعُونَ) أي الملائكة (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) الله تعالى أن يشفع له من أهل الإيمان (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [٢٨] أي هم مع هذا كله من هيبته خائفون لا يأمنون من مكره ، لأنهم عاينوا من الآخرة فيخافون عاقبة الأمر.
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩))
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) أي من الملائكة أو من جميع الخلق فرضا (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (فَذلِكَ) أي القائل به (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [٢٩] أي المشركين وهو تهديد لمشركي مكة (٥) ليمتنعوا عن (٦) شركهم.
__________________
(١) آل عمران (٣) ، ٤٠.
(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٦٦.
(٣) «نوحي» : قرأ حفص والأخوان وخلف بالنون المضمومة وكسر الحاء ، والباقون بالياء التحتية المضمومة وفتح الحاء. البدور الزاهرة ، ٢١٠.
(٤) نقله عن البغوي ، ٤ / ٤٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٦٦.
(٥) لمشركي مكة ، وي : للمشركين ، ح.
(٦) عن ، ح ي : من ، و.