أي من عادتنا واقتضاء حكمتنا أن نرمي (بِالْحَقِّ) أي الإيمان (عَلَى الْباطِلِ) أي على الكفر أو الحق قول الله أنه لا ولد له ، والباطل قولهم اتخذ الله ولدا (فَيَدْمَغُهُ) أي فيدحضه به ويمحقه ، والدمغ كسر للدماغ بالضرب على الرأس وهو مقتل (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أي هالك وزائل ، المعنى : أنا نبين الحق من الباطل فيبطله الحق ، لأن الباطل لا يعارض الحق ولكن الحق يغلب عليه فيدمغه (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أي لكم يا معشر النصارى شدة العذاب (مِمَّا تَصِفُونَ) [١٨] الله تعالى به من الولد ومما لا يجوز عليه.
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩))
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق (وَمَنْ عِنْدَهُ) من الملائكة المكرمين (لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي لا يتعظمون (عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) [١٩] أي لا يعيون عن طاعته ، من استحسر وحسر بمعنى أعيا ، وإنما قال (وَمَنْ عِنْدَهُ) وهو منزه عن المكان ، لأنه ما أراد بقربهم به من حيث المكان ، بل أراد تنزلهم عنده بمنزلة المقربين عند الملوك لكرامتهم عليه وفضلهم على خلقه.
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠))
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [٢٠] أي لا يضعفون ولا يسكتون ولا يملون ، لأن التسبيح لهم كالنفس لبني آدم ، فيه إشارة إلى أن تسبيحهم متصل دائم.
(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١))
قوله (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) إضراب عن المشركين بالإنكار عليهم والتوبيخ ، لأن (أَمِ) بمعنى بل والهمزة الاستفهامية ، أي هم لا يعبدون الله بل اتخذوا من دونه آلهة منسوبة إلى الأرض ، لأن آلهتهم كانت من جواهر الأرض كالحجر والذهب والفضة وغيرها (هُمْ يُنْشِرُونَ) [٢١] بالاختصاص ، أي يحيون لا غير ، يعني هل تحيي تلك الآلهة شيئا من الأموات فلذلك اتخذوها آلهة يعبدونها ، فيه تجهيل لهم وزيادة توبيخ حيث لم يدعوا إحياء أصنامهم شيئا وبيان لعجزها وعدم صلاحها للألوهية ، لأن العاجز لا يكون إلها وهم سموها آلهة (١).
(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢))
قوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) تنزيه لنفسه عن الشريك بالنظر العقلي ، أي لو كان في السموات والأرض آلهة شتى غير الله الذي هو خالقهما (٢) لهلكتا وهلك من فيهما لوجود التمانع ، لأن كل أمر بين اثنين لا يجري على نظام واحد سيما إذا كانا حكيمين كاملين لاستواء جهتي الحكمة المقتضية للمصلحة فيه ، أي في ذلك الأمر فلا بد من إيقاع إحدى الجهتين حسب ، فلم يكن التدبير مستويا فلا بد أن يختار أحدهما خلاف الآخر لغلبة الألوهية بالذات فيفسد كما ترى أن الرعية تفسد (٣) بتدبير الملكين لحدوث التغالب والتخالف بينهما ، قوله (إِلَّا اللهُ) صفة ل (آلِهَةٌ) لا بدل لفساد المعنى ، لأنه حينئذ يصير لو كان فيهما إلا الله لفسدتا ، إذ المبدل في حكم السقوط ولأن ما قبله موجب ، ولا يجوز نصبه على الاستثناء ، لأنه يصير المعنى أن عدم فسادهما لوجود الله تعالى مع الآلهة فيهما وهو لا يفيد التوحيد ، ففي الآية دلالة على أن مدبرهما لا بد أن يكون واحدا ، وإن ذلك الواحد لا يكون إلا الله ، قوله (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ) عن ما (يَصِفُونَ) [٢٢] من الشريك والولد كأنه نتيجة دليل التمانع المذكور قبله.
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣))
(لا يُسْئَلُ) الله (عن ما (يَفْعَلُ) ويحكم سؤال إنكار ، لأنه المالك حقيقة ، فيفعل ما يشاء في خلقه من المغفرة
__________________
(١) وهم سموها آلهة ، ح ي : ـ و.
(٢) لفسدتا أي ، + و.
(٣) تفسد ، وي : يفسد ، ح.