الحسنات والسيئات في أحسن صورة وأقبحها» (١) ، والحكم للغالب في الوزن وفي التساوى لفضل الله تعالى ، روي : «أن داود عليهالسلام يسأل ربه أن يريه الميزان فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب ، فغشي عليه ، ثم أفاق فقال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة» (٢) ، وقيل : يوزن صحائف الأعمال (٣)(لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) أي نضع لأجله (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) من الظلم (وَإِنْ كانَ) العمل (مِثْقالَ حَبَّةٍ) أي زنة حبة ، قرئ بنصب «مثقال» ف «كان» ناقصة ، وبالرفع ف «كان» تامة (٤) ، أي إن حصل للعبد مثقال حبة (مِنْ خَرْدَلٍ) عملا ، وهو صفته ، وجزاء الشرط (أَتَيْنا) أي جئنا (بِها) وأحضرناها (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [٤٧] أي مجازين أو محصنين والباء زائدة و «نا» فاعل (كَفى) و (حاسِبِينَ) حال منه.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨))
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) أي التورية (وَضِياءً) أي مضيئا وهو التورية أيضا حال من (الْفُرْقانَ) ، وزيد الواو بين الوصفين ليدل على شدة الوصف بهما ، وقيل : (الْفُرْقانَ) هو الفارق بين الحق والباطل (٥) ، والضياء نور البصيرة في دينهم (وَذِكْراً) أي عظة (لِلْمُتَّقِينَ) [٤٨] يعني آتيناهما التورية الفارقة بين الحلال والحرام ونورا مخرجا من الظلمات وموعظة للذين يتقون الشرك.
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩))
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) صفة ل «المتقين» كاشفة لهم ، أي الذين يخافون الله في الخلاء كخوفه بين الناس ، وقيل : الذين يعملون لربهم في غيب منه (٦)(وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أي من أهوالها (مُشْفِقُونَ) [٤٩] أي خائفون.
(وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))
(وَهذا) القرآن (ذِكْرٌ) أي موعظة أو ذكر ما يحتاج إليه الناس في دينهم ومصالحهم (مُبارَكٌ) وبركته كثرة منافعه وغزارة خيره من المغفرة والنجاة لمن آمن به وقرأه وعمل بما فيه (أَنْزَلْناهُ) إليكم ، ثم قال باستفهام توبيخ وتعيير (أَفَأَنْتُمْ لَهُ) أي للقرآن (مُنْكِرُونَ) [٥٠] يا أهل مكة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١))
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) أي اهتداءه ومعرفته لوجوه الصلاح (مِنْ قَبْلُ) أي قبل بلوغه حين خرج من السرب وهو صغير ، وقيل : «قبل موسى وهرون» (٧) ، فالرشد النبوة (وَكُنَّا بِهِ) أي بابراهيم (عالِمِينَ) [٥١] أنه أهل لما آتيناه إياه ، فيه إشارة إلى أن الأشياء لا تصدر عن إبراهيم إلا باختيار من الله وإنه عالم بجزئياتها.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢))
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) أي اذكر وقت قوله لهم (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) أي التصاوير ، يعني الأصنام (الَّتِي أَنْتُمْ لَها) أي لأجل عبادتها (عاكِفُونَ) [٥٢] أي مقيمون ، وفيه تحقير لآلهتهم وتجهيل لهم ، والتمثال الصنم (٨).
(قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤))
(قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) [٥٣] فنحن نعبدهم لذلك اقتداء بهم وهو جواب العاجز عن الاتيان بالدليل حيث قلدوا آباءهم في عبادتهم التماثيل ، ولذا (قالَ) إبراهيم (لَقَدْ كُنْتُمْ) أيها المقلدون (أَنْتُمْ) تأكيد لاسم
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٦٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٦٣ (عن الحسن).
(٢) نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٦٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣.
(٣) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٦٣.
(٤) «مثقال» : قرأ المدنيان برفع اللام ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ٢١١.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٥٤.
(٦) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣٦٩.
(٧) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٧٠.
(٨) وتجهيل لهم والتمثال الصنم ، و : وتجهيل لهم ، ي : ـ ح.