«كان» ليصح عطف (وَآباؤُكُمْ) عليه ، أي أنتم مع آبائكم (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٥٤] أي في خطأ ظاهر لا يخفى على كل عاقل.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦))
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ) أي ما تقوله لنا أبالجد والصدق (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) [٥٥] بنا بقولك هذا ، وإنما استفهموه بذلك لأنهم حسبوا أن ما قاله لهم (١) على وجه الملاعبة والممازحة ، فأضرب عنهم مخبرا أنه بالجد لا بالهزل مثبتا لواحدانية الله وربوبيته وحدوث الأصنام وبطلانها بأن (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) أي الأصنام ، فكيف تعبدون المخلوق وتتركون عبادة الخالق لكل شيء (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) أي على الذي ذكرته لكم من أن خالق الأرض والسماء ربكم ورازقكم واحد لا شريك له (مِنَ الشَّاهِدِينَ) [٥٦] بصحته ومبرهن عليه كما يبرهن الشاهد على شهادته.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨))
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) أي لأكسرنها (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا) أي ترجعوا عنها (مُدْبِرِينَ) [٥٧] أي ذاهبين إلى عيدكم ، وكانوا قد وضعوا طعام عيدهم لدى أصنامهم لزعمهم التبرك عليه ، فاذا رجعوا من عيدهم أكلوه ، قيل : «إنما قال إبراهيم هذا سرا من قومه وحين قال ذلك سمع رجل منهم فحفظه عليه» (٢) ، فلما خرج القوم من الكنيسة دخل على الأصنام إبراهيم والطعام لديهم فقال استهزاء بهم ألا تأكلون فلم يجيبوه ، فقال ما لكم لا تنطقون فضرب على رؤوسهم بالقدوم (فَجَعَلَهُمْ) بفأس في يده (جُذاذاً) بضم الجيم وكسرها (٣) ، جمع جذيذ وهو الهشيم ، أي قطعا من الجذ وهو القطع (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) أي إلا الصنم الأكبر منها لم يكسره وتركه على حاله وعلق الفأس في عنقه ، وقيل : ربطه بيده وكان اثنان وسبعون صنما أكبرها من ذهب مكلل بالجواهر ، وفي عينيه باقوتتان تتقدان وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من حجر و (٤) خشب وغيرهما (٥)(لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ) أي إلى الصنم الكبير (يَرْجِعُونَ) [٥٨] أي يسألونه عن كاسرها وغرضه من رجوعهم إليه ، إنهم إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر فظهر أنهم في عبادتهم (٦) على جهل عظيم أو لعلهم يرجعون إلى التوحيد من الشرك عند تحقق عجز آلهتهم عندهم.
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠))
فلما رجعوا من عيدهم ودخلوا كنيستهم نظروا إلى آلهتهم منكسرة ، فسأل بعضهم بعضا عن ذلك بأن (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [٥٩] بكسرهم (قالُوا) أي قال من سمع قوله (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) أي يعيبهم (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) [٦٠] أي هو إبراهيم أو مرفوع ب (يُقالُ) ، والمراد الاسم لا المسمى ، أي يقال له هذا الاسم ، والجملتان بعد (فَتًى) صفتاه ، والأولى واجبة الذكر لسمع ، إذ لا يقال سمعت ذيدا.
(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١))
(قالُوا) أي قال نمرود وأتباعه (فَأْتُوا) أي جيئوا (بِهِ) ظاهرا (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) [٦١] عليه بما
__________________
(١) قاله ، + وي.
(٢) عن مجاهد وقتادة ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٥.
(٣) «جذاذا» : كسر الجيم الكسائي وضمها غيره. البدور الزاهرة ، ٢١١.
(٤) بعضها من ، + ح.
(٥) قد أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٥٦.
(٦) عبادتهم ، ح ي : عبادته ، و.