(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤))
(يَوْمَ نَطْوِي) ظرف لقوله (لا يَحْزُنُهُمُ) والطي ضد النشر ، أي يوم نجمع (السَّماءَ) ونطويها ، قرئ بالنون وبالياء (١)(كَطَيِّ السِّجِلِّ) أي الصحيفة (لِلْكُتُبِ) أي على المكتوب ، قرئ مفردا وجمعا (٢) ، أي للكتب ، وقيل : السجل ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه (٣) ، قيل : «إذا مات الإنسان رفع كتابه إلى الملك الموكل بالصحف فطواه» (٤) ، والكاف في (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) وهو إيجاده عن عدم ، يتعلق بقوله (نُعِيدُهُ) أي نرد أول الخلق كما أوجدناه عن عدم ، يعني نعبده عودا مثل بدئه عن البعث عن عدم إشارة إلى تبديل السماء في الآخرة وإلى استواء قدرته في تناولها للإبداء والإعادة ، قيل : يمطر السماء أربعين يوما كمني الرجال فينبتون به (٥)(وَعْداً عَلَيْنا) تأكيد ل (نُعِيدُهُ وَعْداً) بالإعادة صدقا لا خلف فيه (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [١٠٤] أي باعثين الخلق بعد الموت ، قال عليهالسلام : «إنكم تحشرون يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما» (٦) ، أي ساكتين ، جمع أبهم.
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥))
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) بفتح الزاء (٧) وهو زبور داود أو المراد الجنس ، أي في جميع الكتب المنزلة من السماء (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي من بعد التورية أو بعد اللوح المحفوظ ، لأن كلها أخذت منه (أَنَّ الْأَرْضَ) أي أرض الجنة أو أرض الدنيا (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [١٠٥] يعني محمدا وأمته يفتحون أرض الكفار ويدخلون الجنة.
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦))
(إِنَّ فِي هذا) أي القرآن (لَبَلاغاً) أي لكفاية (لِقَوْمٍ عابِدِينَ) [١٠٦] أي عاملين بالتوحيد وهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧))
(وَما أَرْسَلْناكَ) أي ما بعثناك يا محمد (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [١٠٧] أي للمؤمنين حيث هداهم إلى طريق الجنة وللكافرين بتأخير العاذب عنهم استئصالا.
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨))
(قُلْ) يا محمد لمشركي قريش (إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فيه قصران ، قصر الحكم على شيء وقصر الشيء على حكمه ، وإنما اجتمعا هنا للدلالة على أن الوحي إلى الرسول (٨) عليهالسلام مقصور على استئثار الله بالوحدانية ، ثم أمر الناس بالتوحيد الحاصل من جهة الوحي بقوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [١٠٨] أي مخلصون بالتوحيد ، يعني أسلموا له.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩))
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن أعرضوا عن التوحيد (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ) أي أعلمتكم بالحرب (عَلى سَواءٍ) مني ومنكم لتتأهبوا ، إذ ليس الغدر من شيم الأنبياء (وَإِنْ أَدْرِي) أي ما أدري (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [١٠٩] من نزول العذاب بكم في الدنيا ، لأن الله لم يعلمني علمه ، ومحل (ما تُوعَدُونَ) رفع بأنه فاعل (أَقَرِيبٌ) سد مسد الخبر.
__________________
(١) «نَطْوِي السَّماءَ» : قرأ أبو جعفر بالتاء الفوقية المضمومة وفتح الواو ورفع همزة «السماء» وغيره بالنون المفتوحة في مكان التاء وكسر الواو ونصب همزة «السماء». البدور الزاهرة ، ٢١٣.
(٢) «للكتب» : قرأ حفص والأخوان وخلف بضم الكاف والتاء من غير ألف على الجمع ، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على الإفراد. البدور الزاهرة ، ٢١٣.
(٣) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٧٣.
(٤) عن السدي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٨١.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٨١.
(٦) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ١ / ٢٢٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٨١.
(٧) «الزبور» : ضم الزاي خلف وحمزة ، وفتحها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٢١٣.
(٨) الرسول ، وي : الرسل ، ح.