(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨))
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) أي في دينه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي علم ضروري وهو العلم العقلي (وَلا هُدىً) أي بلا حجة موصلة إلى المعرفة (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [٨] أي وحي واضح منزل للبيان ، بل يجادل بالظن بلا تحقيق ، وهو النضر بن الحارث ، وكرره ردعا للجاهل عن الجدال.
(ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
قوله (ثانِيَ عِطْفِهِ) نصب على الحال من ضمير (يُجادِلُ) ، أي لاويا جانبه عن طاعة ربه بكبره معرضا على الإيمان به (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بفتح الياء ، أي ليعرض عن دين الإسلام ، فاللام للعاقبة ، لأن جداله يؤدي إلى الضلال ، فجعل كأنه غرضه ، وقرئ بضم الياء (١) ، أي ليصرف الناس عن دين الله (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي عذابه ، فقتل النضر ببدر صبرا أو محبوسا بغير قتال (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) [٩] وهو عذاب النار ، أي ما أصابه في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبه ويقال له يوم القيامة (ذلِكَ) أي هذا العذاب (بِما قَدَّمَتْ) أي عملت (يَداكَ) أي نفسك بكفرك وتكذيبك محمدا صلىاللهعليهوسلم (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [١٠] أي لا يعذب أحدا بغير ذنب أبدا ، قيل : هذا من قولهم ظالم لعبده وظلام لعبيده ، فيلزم منه نفي كل ظلم عن الله تعالى لكل عبد من العبيد لدخول صيغة المبالغة الدالة على الأنواع المقابلة بصيغة الجمع الدالة على الاستغراق باللام تحت النفي العام (٢).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١))
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) أي على وجه الرياء أو على شك ، حال من ضمير (يَعْبُدُ) ، أي متزلزلا ، قيل : نزل في أناس من بني أسد ، أصابتهم شدة فاحتملوا العيال وقدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسلموا من غير اعتقاد صحة الإسلام فأغلوا الأسعار بالمدينة فرجعوا إلى كفرهم الأول (٣)(فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) أي صحة وسلامة في نفسه وماله أو سعة وغنيمة (اطْمَأَنَّ بِهِ) أي سكن إليه ، وقال : نعم الدين دين محمد عليهالسلام (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أي محنة وضيق في المعيشة (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أي جهته ، يعني رجع إلى كفره ، وقال : بئس بالدين دين محمد ، فقال تعالى (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) أي غبنهما بذهاب ماله وبذهاب ثوابه (ذلِكَ) أي رجوعه عن الإسلام (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [١١] وهو ذهاب دينه وخلوده في النار.
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢))
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي يعبد من غيره (ما لا يَضُرُّهُ)(٤) إن لم يعبده (وَما لا يَنْفَعُهُ) حقيقة إن عبده (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) [١٢] عن الهداية لا يرجى زواله.
(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣))
(يَدْعُوا) تأكيد للأول بيانا لاستمرار كفره ولا يتعلق ب «لمن» بعد ، لأنه قسم ، تقدير الكلام : يدعو يدعو من دون الله الآية والله (لَمَنْ ضَرُّهُ) إن عبده (أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) إن استنفعه بادعاء الشفاعة له ، ف «من» مبتدأ بمعنى الذي و (ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) صلته (لَبِئْسَ الْمَوْلى) خبره وهو الناصر (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [١٣] أي الصاحب المعاشر ، إذ لا ينفعه في الآخرة.
__________________
(١) «ليضل» : قرأ المكي والبصري ورويس بفتح الياء وغيرهم بضمها. البدور الزاهرة ، ٢١٣.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٣٨٧.
(٤) أي ، + ح.