(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤))
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) أي فيها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) [١٤] أي يحكم في خلقه ما يشاء من الضلالة والهداية.
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥))
روي : أن بني أسد وغطفان من الكفار قالوا : نخاف أن نقطع المودة من اليهود ونؤمن بمحمد ، ثم لا يستقيم أمره وذلك لظنهم أن الله لا ينصر محمدا صلىاللهعليهوسلم في دينه فنزل (١)(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) أي محمدا بالحجة والغلبة (فِي الدُّنْيا وَ) الشفاعة في (الْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ) أي ليربط (بِسَبَبٍ) أي بحبل (إِلَى السَّماءِ) أي من سقف بيت ، لأن كل ما علاك فهو سماء (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) نفسه بحبس مجاريه بالحبل ، يعني ليختنق به فيموت خنقا (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) أي فعله بنفسه من الاختناق (ما يَغِيظُ) [١٥] أي غيظه ، يعني هل ينفعه ذلك ، وهذا مبالغة في الزجر عن الظن الفاسد في نصرة الله رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وإن أريد بالسماء حقيقتها كان المعنى : ليمد حبلا فيصعد فيه إليها ليقطع الوحي عن محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا استهزاء لمن يظن ذلك الظن ، وقيل : المراد بالنصر الرزق (٢) ، ومعناه : أن من ظن أن الله غير رازقه وليس به صبر فليختنق فانه لا يقلب القسمة.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦))
(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الإنزال (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن كله (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي واضحات (وَأَنَّ اللهَ) أي وأنزلناه لأنه (يَهْدِي) أي يرشد به إلى دينه (مَنْ يُرِيدُ) [١٦] أي الذين يعلم أنهم يؤمنون.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلىاللهعليهوسلم كأصحابه (وَالَّذِينَ هادُوا) أي عدلوا عن الإسلام كاليهود (وَالصَّابِئِينَ) من دين إلى دين (وَالنَّصارى) أي عبدة عيسى عليهالسلام (وَالْمَجُوسَ) أي عبدة النيران (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي عبدة الأوثان ، ففي هذه الآية إشارة إلى أن الأديان بين الخلق ستة ، واحد منها لله تعالى والخمسة للشيطان ، وخبر «إن» قوله (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) أي يقضي بالحق (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [١٧] من أعمالهم وأحوالهم فيجازيهم بها.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨))
(أَلَمْ تَرَ) أي ألم تخبر في الكتاب (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ) أي يخضع (لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الخلق (وَ) ينقاد له (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) أي لما أراد من التدبير فيها ، قيل : سجودها دورانها (٣) في منازلها بأمره تعالى (وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) قيل : «سجودها تحول ظلّ كل منها» (٤) ، وقيل : تسخرها لما أريد منها (٥) ، وفيه مبالغة في سجود الأشياء له تعالى (وَ) يسجد سجود طاعة (كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) أي المومنون يسجدون لله تعالى بالإخلاص ، وعطفه على (مَنْ) وإن عمته تفضيلا ، ويجوز أن يرفع بالابتداء صفته من
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٨٨.
(٢) قد أخذه المصنف عن البغوي ، ٤ / ١٠٢.
(٣) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٣٨٨.
(٤) ذكر مجاهد نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ١٠٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٨٨.
(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.