الناس وخبره محذوف ، أي وكثير منهم مثاب ، يدل عليه قوله (وَكَثِيرٌ) منهم (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي وجب بترك السجود لله تعالى في الدنيا كالمشركين وبترك الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وإن سجدوا له تعالى كاليهود والنصارى (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي يخذله بالشقاوة في قضائه (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) أي من (١) معز بالسعادة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [١٨] من الإهانة والإكرام في خلقه.
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩))
(هذانِ خَصْمانِ) نزل في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث حين بارزوا ببدر إلى عتبة وشيبة والوليد بن عتبة (٢) ، والخصم صفة يوصف بها الفريق أو الطائفة أو طائفتان (اخْتَصَمُوا) بالجمع ردا إلى المعنى ، أي تجادلوا (فِي رَبِّهِمْ) أي في دينه ، ثم بين مصير كل من الفريقين بقوله (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) الفاء للتفسير وقطع الخصومة ، أي الذين جحدوا دين الإسلام (قُطِّعَتْ) أي هيئت (لَهُمْ ثِيابٌ) يلبسونها (مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) [١٩] أي الماء الذي انتهى حره ، قيل : «يضرب الملك رأس الكافر بالمقمع من حديد فيثقب رأسه ثم يصب عليه الحميم» (٣).
(يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠))
(يُصْهَرُ بِهِ) أي يذاب بالحميم المصبوب على رؤوسهم (ما فِي بُطُونِهِمْ) من شحوم غيرها فيقطعها ويخرج من أدبارهم (وَالْجُلُودُ) [٢٠] أي يذاب الجلود أيضا فتسلخ.
(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١))
(وَلَهُمْ مَقامِعُ) جمع مقمعة (مِنْ حَدِيدٍ) [٢١] وهي سياط مختصة بهم يضربون بها على هامتهم.
(كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣))
(كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) أي من النار (مِنْ غَمٍّ) بدل من (مِنْها) ، أي من الشدة التي أدركتهم من ضرب المقامع (أُعِيدُوا فِيها) أي ردوا إليها (وَ) يقال لهم (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) [٢٢] أي المحرق بالدوام ، قيل : «إذا ضربتهم الزبانية المقامع يسقطون إلى قعر النار سبعين خريفا» (٤) ، ثم تضربهم النار بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فيقصدون الخروج منها فيعيدون الضرب عليهم كذلك ، هذا جزاء أحد الخصمين (٥) ، ثم بين جزاء الخصم الآخر بقوله (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ) أي يلبسون الحلي (٦)(فِيها) أي في الجنة (مِنْ أَساوِرَ) جمع سوار وهو القلب ، و (مِنْ) للتبعيض ، أي بعض أقلبه (مِنْ ذَهَبٍ) مِنْ) للبيان (وَلُؤْلُؤاً) أي ويؤتون لؤلؤا ولا يجوز عطفه بالنصب على محل (مِنْ أَساوِرَ) ولا على لفظها على قراءة الجر أيضا (٧) ، إذ اللؤلؤ لا يلبس ، فينتصب محله بمضمر يدل عليه (يُحَلَّوْنَ) كما ذكروه ، و (مِنْ) في (لُؤْلُؤاً)
__________________
(١) من ، و : ـ ح ي.
(٢) عن أبي ذر الغفاري ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٨٩ ؛ والواحدي ، ٢٥٧.
(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٨٩.
(٤) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٤ / ٨٠.
(٥) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٨٩ ؛ والكشاف ، ٤ / ٨٠.
(٦) الحلي ، ح ي : ـ و.
(٧) «وَلُؤْلُؤاً» : قرأ المدنيان وعاصم ويعقوب بنصب الهمزة الثانية وغيرهم بخفضها ، وأبدل الهمزة الأولى واوا ساكنة مدية وصلا ووقفا شعبة والسوسي وأبو جعفر ، وفي الوقف حمزة ، وأما الثانية فلحمزة وهشام فيها الإبدال واوا ساكنة مدية ، وتسهيلها بين بين مع الروم وهذان الوجهان قياسيان. البدور الزاهرة ، ٢١٤.