بالجر للتبعيض ، وقيل : النصب والجر عطف على (أَساوِرَ) فيكون اللؤلؤ ملبوسا (١)(وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) [٢٣] وهو الإبريسم المحرم لبسه على الرجال هنا.
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤))
(وَهُدُوا) أي هداهم الله تعالى وألهمهم (إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) وهو كملة التوحيد أو هو القرآن أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدنيا أو الحمد لله الذي صدقنا وعده في الآخرة (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) [٢٤] أي المحمود في فعاله وهو طريق الجنة ، أي دين الإسلام.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يصرفون الناس عن دين الإسلام ، ولم يقل صدقوا كما قال كفروا لإرادة أن الصد منهم مستمر دائم (وَ) عن (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وذلك منعهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في الحديبية عن زيارة الكعبة ، ثم وصف المسجد الحرام بقوله (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ) أي صيرناه لهم (سَواءً) بالنصب مفعول ثان لل «جعل» وبالرفع خبر لما بعده (٢) ، والجملة في محل النصب لكونها مفعولا ثانيا لل «جعل» ، والمعنى : جعلنا المسجد الحرام مستويا (الْعاكِفُ) أي المقيم (فِيهِ وَالْبادِ) بلا ياء في الوصل والقطع وبها فيهما أو في الوصل فقط (٣) ، أي الخارج عنه الوارد إليه لا نختص بعضا دون بعض في تعظيم حرمته وقضاء النسك به ، فليس أهل مكة أحق به من التنازع إليه غير أنه لا يزعج أحد عن منزل نزله إذا سبق إليه عند أبي حنيفة رحمهالله مقيما كان أو مسافرا ، ويخص الشافعي رحمهالله عليه المقيم بمنزله هذا إن أريد بالمسجد الحرام الحرم ، ولا يجوز بيع دور مكة عند أبي حنيفة رحمهالله وجوزه الشافعي رحمهالله وإن أريد به البيت ، فالمعنى : أنه قبلة لجميع الناس فالمقيم والغريب فيه سواء (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) قيل : مفعول (يُرِدْ) محذوف والمجروران بالباء حالان مترادفان ، أي من يرد في المسجد الحرام مرادا ما (٤) ملابسا بالحاد (٥) ، أي بميل (٦) عن طريق الحق كالشرك وملابسا بالظلم على الناس كالاحتكار والشتم للخادم ، وقيل : الباء في (بِإِلْحادٍ) زائد (٧) ، أي إلحادا فهو مفعول (يُرِدْ) ومحل (بِظُلْمٍ) حال من ضمير (يُرِدْ) ، أي من يقصد إلحادا ظالما (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [٢٥] جواب الشرط وخبر (إِنَّ) في (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) محذوف ، أي معذبون يدل عليه جواب الشرط وهو «نذقه» ، قيل : نزل في عبد الله بن أنيس حين قتل أنصاريا افتخر على المهاجرين في النسب ، فهرب إلى مكة مرتدا فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة بقتله فقتل (٨).
(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦))
(وَإِذْ بَوَّأْنا) أي اذكر إذ جعلنا (لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أي مباءة ولعقبه ، أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة ، لأنه رفع في زمان الطوفان إلى السماء وهو البيت المعمور وكان من ياقوتة حمراء ، فاعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها الخجوج ، وهي التي تلتوي في هبوبها فكنست ما حوله فبناه على أساسه القديم ، قالوا بعث الله سحابة على قدر البيت فيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن على قدري وحيالي ، فأسس البيت عليه مع
__________________
(١) لعل المصنف اختصره من القرطبي ، ١٢ / ٢٩.
(٢) «سواء» : قرأ حفص بنصب الهمزة ، وغيره برفعها. البدور الزاهرة ، ٢١٤.
(٣) «وَالْبادِ» : قرأ ورش وأبو عمرو وأبو جعفر باثبات ياء بعد الدال وصلا ، والمكي ويعقوب باثباتها في الحالين ، والباقون بحذفها كذلك. البدور الزاهرة ، ٢١٤.
(٤) مرادا ما ، و : مرادا ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٨١.
(٥) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٨١.
(٦) بميل ، و : ميل ، ح ي.
(٧) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ١٠٩.
(٨) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٩٠.