إسمعيل ، ثم فسر التبوئة لكونها مقصودة للعبادة بقولها (أَنْ لا تُشْرِكْ) كأنه قال تعبدنا فيه إبراهيم ، وقلنا له لا تشرك (بِي شَيْئاً) ف (أَنْ) مفسرة للقول المقدر (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من الأصنام والأقذار أن يطرح حوله (لِلطَّائِفِينَ) بالبيت من غير أهل مكة (وَالْقائِمِينَ) أي المقيمين من أهل مكة (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [٢٦] أي المصلين بالآفاق من كل وجه.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧))
(وَأَذِّنْ) أي ناد (فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) فقام إبراهيم على أبي قبيس ، جبل من جبال مكة ، فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا ، فأجابه كل من كتب له أنه يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات لبيك لبيك اللهم لبيك ، فيحج من أجاب إبراهيم يومئذ ، قوله (يَأْتُوكَ رِجالاً) جواب الأمر ، جمع راجل أو مشاة (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) أي ركبانا على إبل ومهاذيل فلا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد ضمر من طول الطريق ، قوله (يَأْتِينَ) صفة ل (كُلِّ ضامِرٍ) ، لأنه في معنى الجمع ، أي الضوامر (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [٢٧] أي طريق بعيد ، أي من نواحي الأرض ، روي عن أبي حنيفة رحمهالله : مشي الحاج أفضل إن صبر لما روي أن الملائكة يسلمون على أصحاب المحافل ويصافحون أصحاب البغال والحمير ويعانقون المشاة (١) ، وقيل : «الركوب أفضل إن كان بيته بعيدا ، والمشي أحسن إن كان قريبا» (٢).
(لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨))
(لِيَشْهَدُوا) صلة لقوله «أذن» ، أي ليحضروا (مَنافِعَ لَهُمْ) دينية ودنيوية أو مناحرهم وقضاء مناسكهم (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) عند الذبح (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) بالعد عندهم ، لأنهم كانوا يعدونها لأجل الحج ، وهي عشر ذي الحجة عند أبي حنيفة رحمهالله ، أي أيام ليالي العشر أو هي يوم النحر وثلاثة بعده عند غيره ، وقيل : «المعلومات أيام النحر والمعدودات أيا التشريق» (٣) ، وهو طريق الفقهاء وهو أشبه بتأويل الكتاب ، لأنه ذكر في أيام معلومات الذبح وفي أيام معدودات الذكر عند الرمي ، ورخص بتركه في اليوم الآخر بقوله في سورة البقرة (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٤) الآية (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي ليذكروا اسم الله عند الذبح على الإبل والبقر والغنم ، فلا يجوز الأضحية من غيرها ، قوله (فَكُلُوا مِنْها) أمر إباحة ، لأن الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) أي الشديد البؤس (الْفَقِيرَ) [٢٨] أي الضيف بالإعسار.
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩))
(ثُمَّ لْيَقْضُوا) أي ليزيلوا (تَفَثَهُمْ) يعني أوساخهم أو التفث مناسك الحج كالرمي والحلق والذبح ونتف الإبط وأخذ الشارب وقص الأظافير وحلق العانة ، فالمراد من قضائه الخروج من الإحرام إلى الإحلال بأفعاله (وَلْيُوفُوا) بالتخفيف من أوفى ، وبالتشديد من وفى والمعنى واحد (٥) ، أي ليتموا (نُذُورَهُمْ) يعني كل ما أوجبوا على أنفسهم للحج والعمرة من هدي وغيره ، فاذا نحروا يوم النحر فقد أوفوا نذورهم (وَلْيَطَّوَّفُوا) قرئ بسكون اللام في الثلاثة وبكسرها فيها ، وبكسر اللام في الأول دون الأخيرين (٦) ، أي ليدوروا طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [٢٩] أي القديم ، وذلك بعد ما حلق المحرم رأسه أو قصر (٧) وسمي عبيقا لأنه
__________________
(١) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣٩١.
(٢) عن الفقيه أبي الليث ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٩١.
(٣) عن مجاهد وقتادة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٩٢.
(٤) البقرة (٢) ، ٢٠٣.
(٥) «وَلْيُوفُوا» : قرأ شعبة بفتح الواو وتشديد الفاء ، والباقون بسكون الواو وتخفيف الفاء. البدور الزاهرة ، ٢١٥.
(٦) «ليقضوا» : قرأ ورش وقنبل وأبو عمرو وابن عامر ورويس بكسر اللام وغيرهم باسكانها. «وَلْيُوفُوا» ، «وَلْيَطَّوَّفُوا» : قرأ ابن ذكوان بكسر اللام فيهما ، والباقون بالاسكان. البدور الزاهرة ، ٢١٥.
(٧) قصر ، ح و : قص ، ي.