أول بيت وضع للناس أو لأنه عتق من القتل والسبي والجراحات وغير ذلك في الجاهلية أو عتق من الغرق يوم الطوفان أو عتق من الجبابرة المتسلطة ، ولا يشكل بتسلط الحجاج عليه ، لأن ابن الزبير تحصن بالبيت فاحتال لإخراجه ولم يكن قصده التسلط عليه.
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠))
(ذلِكَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك المذكور من أعمال الحج ومثله فصل لما بعده عما قبله (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) الحرمة ما لا يحل هتكه بالعلم بأنها واجبة الحفظ بالعمل من مناسك الحج وغيرها (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي ذلك التعظيم أعظم أجرا (عِنْدَ رَبِّهِ) في الدار الآخرة (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) أي أكلها بعد الذبح (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) تحريمه في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(١) الآية في سورة المائدة ، وهو استثناء منقطع ، إذ المتلو ليس من جنس الأنعام أو متصل بأن يكون المحرم حراما بعارض كالميتة والموقوذة (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) أي القذر (مِنَ الْأَوْثانِ) أي اتركوا عبادتها بيان ل (الرِّجْسَ) ، لأنه يعم الأوثان وغيرها ، أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، ووجه تسمية الأوثان رجسا هو التشبيه ، أي انفروا عنها كما ينفر طباعكم من الرجس (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [٣٠] أي الكذب والبهتان ، وهو قولهم هذا حلال وهذا حرام أو هو شهادة الزور وأصله الانحراف.
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١))
(حُنَفاءَ لِلَّهِ) أي مخلصين في التلبية والاجتناب عن معصية الله (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) شيئا ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشكرون في تلبيتهم بقولهم لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ) أي سقط (مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ) أي تسلبه (الطَّيْرُ) بسرعة (أَوْ تَهْوِي بِهِ) أي تسقطه (الرِّيحُ) من السماء (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [٣١] أي بعيد متلف وهو وادي الضلالة والبعد من الله لا يمكن خلاصه منه.
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢))
(ذلِكَ)(٢) أي الأمر هو المذكور من اجتناب الرجس وقول الزور (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) وهي الهدي المعشرة المقلدة لتعرف أنها هدي لا يتعرض بها وتعظيمها استسمانها واستحسانها للنحر ، قوله (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [٣٢] منهم جواب الشرط ، أي إن تعظيمها من أفعال أصحاب تقوى القلوب ، والمراد منه إخلاصها ، والضمير في «منهم» المقدر راجع من الجزء إلى الشرط ليصح المعنى.
(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣))
(لَكُمْ فِيها) أي في البدن (مَنافِعُ) من ركوبها وشرب ألبانها وقطع أوبارها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى وقت انقضاء الحج أو منافع يوم القيامة وهي المنافع الدينية (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [٣٣] أي الذي ينحر فيه الهدايا عند البيت القديم (٣) أو ينتهي إليه وهو جميع الحرم من أطراف مكة ، لأنه في حكم البيت.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤))
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) بالكسر مفعول به بمعنى الظرف ، أي شرع الله لكل قوم من المؤمنين مكانا ووقتا يذبحون فيه على وجه التقرب ، واللام لتعليل الجعل في (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ)
__________________
(١) المائدة (٥) ، ٣.
(٢) إعرابه وتقديره كما مر ، + و.
(٣) القديم ، ح ي : العتيق ، و.