(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨))
(وَكَأَيِّنْ) بالواو عطف على قوله (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، أي وكم (مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ) أي أمهلت (لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي كافرة بربها (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب في الدنيا (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [٤٨] في الآخرة فنعذب (١) العذاب الأكبر.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩))
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي يا كفار مكة (إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٤٩] من الله بلغة تعرفونها.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠))
(فَالَّذِينَ آمَنُوا) منكم (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [٥٠] أي حسن في الجنة.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))
(وَالَّذِينَ سَعَوْا) بالتكذيب (فِي آياتِنا) أي القرآن (مُعاجِزِينَ) بالتشديد ، أي مثبطين عن الإيمان ، وبالتخفيف والألف (٢) ، أي معاندين في إبطال آياتنا (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [٥١] أي أهل النار.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢))
قوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) تسلية للنبي عليهالسلام حين حزن بالقاء الشيطان في قراءته تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، وذلك عند قراءته على المشركين سورة النجم حتى انتهى إلى قوله (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)(٣) ، فأتاه الشيطان في صورة جبرائيل ، فألقى ما ألقى فاغتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك فنزل «وما أرسلنا من قبلك» (٤)(مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي قرأ وتكلم (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي في قراءته وكلامه بتمكيننا الشيطان إياه لحكمة نعلمها فلا تهتم بذلك (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يذهب به الله ويبطله (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي يثبتها ولا ينسخها (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يلقي (٥) الشيطان في قراءته (حَكِيمٌ) [٥٢] يحكم بنسخه ، ولما سمع المشركون (٦) أنه يقرأ ذلك أعجبهم ، فلما انتهى إلى آخر السورة سجد لله وسجد المسلمون والمشركون معه ، فجاءه جبرائيل وقال : ما جئتك بهذا يا رسول الله ، والعرانيق جمع عرنيق بكسر العين المهملة وهو طويل العنق من طير الماء ، وقيل : بمعنى السادات (٧) ، وأريد منها اللات والمناة والعزى.
(لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣))
(لِيَجْعَلَ) علة لتمكين الله تعالى الشيطان على إلقائه ما ألقى في قراءة النبي عليهالسلام ، أي مكنه عليه ليجعل الله (ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) أي بلية (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي للمنافقين (وَالْقاسِيَةِ) أي الذين قست (قُلُوبِهِمْ) عن ذكر الله وهم المشركون (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أي الجاحدين بالقرآن (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [٥٣] أي في خلاف طويل عن الحق.
__________________
(١) فنعذب ، ح : فيعذب ، ي ، فتعذب ، و.
(٢) «معاجزين» : قرأ المكي والبصري بحذف الألف وتشديد الجيم ، وغيرهم بألف بعد العين وتخفيف الجيم. البدور الزاهرة ، ٢١٦.
(٣) النجم (٥٣) ، ١٩ ـ ٢٠.
(٤) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٩٩.
(٥) يلقي ، ح ي : ألقى ، و.
(٦) المشركون ، ح و : ـ ي.
(٧) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.