(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤))
(وَلِيَعْلَمَ) المؤمنون (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) علم التوحيد والقرآن (أَنَّهُ) أي القرآن (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) أي يثبتوا على إيمانهم ويزيد يقينهم (فَتُخْبِتَ) أي تطمئن وتسكن (لَهُ قُلُوبُهُمْ) مخلصة (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) بالقرآن (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٥٤] أي إلى عمل به ، يعني هو حافظ لقلوبهم عن الإعراض ونزع المعرفة منها عن إلقاء الشيطان ووسوسته.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥))
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شك من القرآن (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) [٥٥] أي عذابها وضع (يَوْمٍ عَقِيمٍ) موضع الضمير ، أي لا فرج فيه ولا رحمة ولا توبة عن الكفر ، وأصل العقم المنع ، وهو يوم القيامة ، وقيل : «هو يوم بدر» (١).
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦))
(الْمُلْكُ) أي الولاية والحكم (يَوْمَئِذٍ) أي يوم تزول مريتهم (لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) بالحق لا حاكم غيره في ذلك اليوم (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [٥٦] أي حكمه في حق المؤمنين يومئذ ذلك.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن (٢)(فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [٥٧] أي حكمه في حق الكافرين يومئذ أنهم في عذاب شديد يهانون فيه.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩))
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعة الله من مكة إلى المدينة (ثُمَّ قُتِلُوا) بالتشديد والتخفيف (٣) ، أي استشهدوا (أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) أي في الجنة أو الغنيمة في الدنيا لمن لم يمت ولم يقتل (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [٥٨] لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً) بضم الميم وفتحها (٤)(يَرْضَوْنَهُ) أي الجنة إذا قتلوا أو ماتوا في طاعة الله ، لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بدرجات العاملين (حَلِيمٌ) [٥٩] عن المسيء فلا يعجل عليه بالعقوبة ، نزلت الآيتان حين قال المهاجرون يا رسول الله ما لنا إذا هاجرنا معك وجاهدنا فقتلنا أو متنا (٥).
(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠))
(ذلِكَ) أي الأمر ذلك قوله (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) نزل في المسلمين الذين طلب المشركون قتالهم في الأشهر الحرم ، فكره المسلمون قتالهم فيها ، فقاتلهم المشركون فبغوا عليهم وقاتلوهم ، فنصر الله المسلمين عليهم فوقع في أنفس المؤمنين من القتال في الشهر الحرام ما وقع (٦) ، فقال تعالى ومن جازى الظالم بمثل ما ظلمه الظالم ثم تعدى عليه (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) على ظالمه وسمى ابتداء الفعل بالعقاب وهو اسم للجزاء والابتداء ليس بجزاء لملابسته له من حيث أنه سبب وذلك مسبب عنه ، والباء في الموضعين للسببية (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ
__________________
(١) عن السدي وقتادة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٠١.
(٢) بالقرآن ، و : القرآن ، ح ي.
(٣) «قتلوا» : شدد التاء الشامي وخففها غيره. البدور الزاهرة ، ٢١٦.
(٤) «مدخلا» : فتح الميم المدنيان وضمها سواهما. البدور الزاهرة ، ٢١٦.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٨٩.
(٦) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٠٢.