لحكمة اقتضت إغراقهم وهي علم المفسدة في استبقائهم لكونهم ظالمين بعد لزوم الحجة البالغة عليهم.
(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨))
ثم أمره أن يدعوه بدعاء هو أنفع له فقال (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) أي ركبت (أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) من أهل الإيمان (عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ) ولم يقل فاذا استويتم فقولوا لأنه نبيهم فكان قوله قولهم مع الإشعار بفضل النبوة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٢٨] أي المفسدين بالشرك والمعصية.
(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩))
(وَقُلْ) إذا نزلت من الفلك إلى البر أو إذا دخلت فيها (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً) بالكسر مع الفتح بطن الفلك ، وبالفتح مع الضم مصدر (١) ، أي إنزالا (مُبارَكاً) وبركته النجاة فيها (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [٢٩] بكسر الزاء وبعد إغراق الكافرين وإنجاء المؤمنين.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١))
قال (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في هلاك قوم نوح ونجاته مع المؤمنين (لَآياتٍ) أي لعبرات لمن بعدهم (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) [٣٠] أي وقد كنا لمختبرين الناس بالطاعة والمعصية أو كنا مهلكين قوم نوح بالبلاء ليعتبر من بعدهم (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [٣١] وهم قوم عاد.
(فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣))
(فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ) ولم يقل إليهم مع أن حق الإرسال أن يعدى ب «إلى» ، لأن الأمة أو القرية جعلت موضعا للرسالة مجازا فقرنت ب «في» لا أن حقه التعدى ب «في» ، أي بعثنا فيهم (رَسُولاً) أي هودا (مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي قال لهم اعبدوه ووحدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) [٣٢] أي اتقوا وآمنوا به عطف على قوله «نوح» بقوله (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي بالبعث (وَأَتْرَفْناهُمْ) أي أنعمنا عليهم بنعم كثيرة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قوله (ما هذا) مقول القول ، أي قالوا ما هود (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [٣٣] منه.
(وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤))
(وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [٣٤] «إذن» جواب شرط محذوف ، أي إنكم إن أطعتموه إذن تخسرون عقولكم وتغبنون آراءكم.
(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥))
(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ) أي صرتم (تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ) كرر للتأكيد المستحسن لوقوع الفصل بالظرف بين الأول والثاني (مُخْرَجُونَ) [٣٥] خبر عن الأول ، أي أيعدكم بأنكم مخرجون من قبوركم إذا متم ودفنتم في الأرض.
(هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦))
(هَيْهاتَ هَيْهاتَ) أي بعد جدا ، اسم فعل ، فاعله مضمر فيه ، أي بعد التصديق (لِما تُوعَدُونَ) [٣٦] من البعث (٢) ، وقيل : الفاعل «ما» واللام زائدة لبيان المستبعد ، فلا محل ل (هَيْهاتَ) من الإعراب على تقدير الفعل (٣) ،
__________________
(١) «منزلا» : قرأ شعبة بفتح الميم وكسر الزاي ، وغيره بضم الميم وفتح الزاي. البدور الزاهرة ، ٢١٨.
(٢) أو بعد كونه ، + و.
(٣) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ٤ / ١٠١.