قيل : «لو بقي واحد منهم لم يكونوا أحاديث» (١) ، والأحاديث جمع أحدوثة كالأعجوبة ، وقيل : اسم جمع للحديث لمعنى الخبر (٢)(فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [٤٤] أي أهلكناهم جميعا.
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦))
(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) التسع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) [٤٥] أي بحجة ظاهرة كالعصا والحية وتلقفها ما أفكته السحرة وانفلاق البحر وغير ذلك (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا) أي تعظموا عن الإيمان والطاعة (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) [٤٦] أي متكبرين.
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧))
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ) أي أنصدق (لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) في البشرية ووصف بالمثل الاثنان ، لأنه بمعنى المصدر (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) [٤٧] أي والحال أنهم ، يعني بني إسرائيل مسخرون ذليلون لنا.
(فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨))
(فَكَذَّبُوهُما) أي موسى وهرون (فَكانُوا) أي صار قوم فرعون (مِنَ الْمُهْلَكِينَ) [٤٨] في البحر بالغرق.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩))
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التورية (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [٤٩] أي قوم موسى بالتورية ، يعني بالعمل بشرائعها ومواعظها.
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠))
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) أي عيسى آية (وَأُمَّهُ آيَةً) أي عبرة لبني إسرائيل بعد موسى ، لأن عيسى تكلم في المهد وأحيى الموتى ، ومريم ولدته من غير مسيس ، وهما آيتان قطعا ، فيكون هذا من قبيل الاكتفاء بذكر إحديهما (وَآوَيْناهُما) أي أنزلناهما (إِلى رَبْوَةٍ) بفتح الراء وضمها (٣) ، أي إلى مكان مرتفع ، هو بيت المقدس ، قيل : إنه كبد الأرض وأقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا (٤)(ذاتِ قَرارٍ) أي أرض سهلة مستوية يستقر عليها ساكنوها (وَمَعِينٍ) [٥٠] أي ذات ماء جار ظاهر على وجه الأرض ، من المعن وهو الإسراع أو من عانه إذا أدركه بعينه ، فالميم زائدة.
(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١))
(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) قيل : هو خطاب لمحمد (٥) صلىاللهعليهوسلم وأمته على سبيل التغليب (٦) ، وقيل : خطاب للمرسلين (٧) ، أي قلنا لكل منهم ذلك ليتبعهم الأمم ، وفيه إعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصي به ، فحقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه (كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من الحلالات (٨) وقيل : الطيبات من الرزق هي الحلال والصافي والقوام ، أي الذي لا يعصى الله فيه والذي لا ينسى ذكره والذي يحفظ العقل والبدن (٩)(وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي عملا خالصا (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [٥١] أي قبل أن تعملوا ، قيل : إن عيسى عليهالسلام كان يأكل من غزل أمه ، وكان رزق نبينا عليهالسلام من الغنائم وهو أطيب الطيبات (١٠) ، قال صلىاللهعليهوسلم : «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» (١١).
__________________
(١) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤١٤.
(٢) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ١٠٢.
(٣) «ربوة» : فتح الراء الشامي وعاصم وضمها سواهما. البدور الزاهرة ، ٢١٩.
(٤) قد أخذه المفسر عن الكشاف ، ٤ / ١٠٢.
(٥) لمحمد ، و : بمحمد ، ح ي.
(٦) أخذه المؤلف عن السمرقندي باختصار ، ٢ / ٤١٥.
(٧) نقل المصنف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ١٥٠.
(٨) أي من الحلالات ، و : أي الحلالات ، ح ي.
(٩) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٤ / ١٠٣.
(١٠) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٤١٥.
(١١) رواه مسلم ، الزكوة ، ٦٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤١٥.