(وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢))
قوله (وَإِنَّ) عطف على (كُلُوا) ، قرئ بكسر «إن» على الابتداء ، وبالفتح على ولأن متعلقا ب (فَاتَّقُونِ) ، وب «أن» مخففة من الثقيلة (١) ، أي ولأن الشأن (هذِهِ أُمَّتُكُمْ) يعني هذه الملة وهي دين الإسلام (أُمَّةً واحِدَةً) حال ، أي دينا واحدا عليه جميع الأنبياء والمؤمنون بهم (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي إلهكم الذي شرعته لكم (فَاتَّقُونِ) [٥٢] أي خافوا عذابي وأطيعوني.
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣))
(فَتَقَطَّعُوا) أي تفرقوا (٢) ، يعني الأتباع (أَمْرَهُمْ) أي دينهم الذي أمرتهم به (بَيْنَهُمْ زُبُراً) بفتح الباء وضمها (٣) ، أي قطعا ، يعني جعلوا دينهم أديانا مختلفة فتحزبوا (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) من الدين (فَرِحُونَ) [٥٣] أي راضون بباطلة معتقدون على أنه الحق.
(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤))
ثم سلى نبيه عليهالسلام وهددهم بقوله (فَذَرْهُمْ) أي اتركهم (فِي غَمْرَتِهِمْ) أي في جهلهم وعمايتهم (حَتَّى حِينٍ) [٥٤] أي حتى يقتلوا أو يموتوا على الباطل ، وفيه نهي للنبي عليهالسلام عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره.
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))
(أَيَحْسَبُونَ) أي أيظنون (أَنَّما نُمِدُّهُمْ) أي أن الذي نعطيهم إياه ونزيدهم (بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ [٥٥] نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) أي في الطاعات وجملة (نُسارِعُ) خبر «أن» و «ما» موصولة اسمها والراجع من خبر «إن» إلى اسمها محذوف ، تقديره : نسارع به بمعنى لا نسارع لهم به فيما (٤) فيه نفع وإكرام (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [٥٦] أي لا يعقلون كالبهائم أن ذلك استدراج ومكر لزايادة الإثم ، ولكنهم يتوهمون أن تعجيلنا ذلك لرضانا عنهم.
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩))
ثم أخبر عن المسرعين في الخيرات والأعمال الصالحات من المؤمنين فقال (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) [٥٧] أي من عذابه خائفون (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي بالقرآن (٥)(يُؤْمِنُونَ) [٥٨] أي يصدقون (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) [٥٩] معه غيره ، أي يوحدونه ويعبدونه بالإخلاص.
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١))
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أي يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات (وَقُلُوبُهُمْ) أي والحال أن قلوبهم (وَجِلَةٌ) أي خائفة أن لا يقبل منهم (٦)(أَنَّهُمْ) أي لأنهم (إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) [٦٠] يعني يوقنون بعثهم بعد الموت للحساب والجزاء ، وخبر (إِنَّ الَّذِينَ (أُولئِكَ) أي الموصوفون بهذه الصفات (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي في الأعمال الصالحة ويرغبون فيها أشد الرغبة خوفا عن فوتها ، وقيل : التسارع في الخيرات التقلل من الدنيا وترك الاهتمام بها (٧)(وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [٦١] أي لأجل الخيرات فاعلون السبق لنيلها في الدنيا والآخرة نزل منزلة اللازم بلا تقدير المفعول ، وقيل : سابقون الناس لأجلها بتقدير المفعول (٨).
__________________
(١) «وَإِنَّ» : قرأ الكوفيون بكسر الهمزة وتشديد النون ، والشامي بفتح الهمزة وتخفيف النون ، والباقون بفتح الهمزة وتشديد النون. البدور الزاهرة ، ٢١٩.
(٢) تفرقوا ، ح ي : فرقوا ، و.
(٣) نقل المؤلف هذه القراءة عن السمرقندي ، ٢ / ٤١٥.
(٤) لهم ، + و.
(٥) بالقرآن ، و : القرآن ، ح ي.
(٦) منهم ، ح ي : ـ و.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٨) أخذ المؤلف هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ١٠٤.