والخسؤ زجر الكلب وإبعاده (وَلا تُكَلِّمُونِ) [١٠٨] في رفع العذاب عنكم فلا سبيل إليه فانقطع رجاؤهم ، ثم لا يتكلمون بعدها إلا الشهيق والزفير والعواء كعواء الكلب لا يفهمون ولا يفهمون.
(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠))
قوله (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) وهم المؤمنون تعليل لاستحقاقهم ذلك العذاب ، أي لأن الشأن كان جماعة من المؤمنين (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [١٠٩] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) قرئ (١) بضم السين من التسخير والخدمة ، أي سخرتموهم واستبعدتموهم ، وبالكسر بمعنى الهزء (٢) ، يؤكده قوله (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) ، يعني استهزأتموهم (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ) أي أنساكم استهزاؤكم بهم (ذِكْرِي) أي ذكركم إياي والخوف مني والعمل بطاعتي (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [١١٠] في الدنيا وهم جماعة من المسلمين كبلال وعمار وسلمان وصهيب ، كان المشركون يسخرون بهم وباسلامهم ويؤذونهم.
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣))
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) أي النعيم المقيم بصبرهم على أذاكم (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) [١١١] بمطلوبهم ، قرئ بكسر «إن» وبفتحها (٣) على أنه مفعول الجزاء ، ثم قرئ (٤) (قال) أي الله وهو يسألهم و «قل» أمرا لمالك أن يسألهم (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) [١١٢] في الدنيا أو في القبر فاستقصروا مدة لبثهم وشكوا فيها و (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قرئ بالهمز وتركه قوله (٥)(فَسْئَلِ الْعادِّينَ) [١١٣] أي الملائكة المحصين أعمال الخلق وأعمارهم ونحن لا نعلم عن عدد تلك السنين ، لأنا مشغولون عن ذلك بما بنا من شدة العذاب ، قيل : «أنساهم ما كانوا فيه من العذاب ما بين النفختين» (٦).
(قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤))
(قالَ) أي المالك (إِنْ لَبِثْتُمْ) في الدنيا أو في القبر (إِلَّا) لبثا (قَلِيلاً) لأن أيام السرور قليلة وأيام المحنة طويلة (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [١١٤] مدة لبثكم لما أجبتم بهذا الجواب.
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥))
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي نخلقكم عابثين أو للعبث ، أي لتلعبوا وتكونوا كالبهائم بل لحكمة اقتضت ذلك ، وهي أن تعرفونا وتعبدونا ، المعنى : أفحسبتم أنكم تهملون فلا تؤمرون ولا تنهون (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [١١٥] عطف على (أَنَّما) ، يعني أظننتم لا ترجعون إلينا في الآخرة فنجازيكم ، قرئ بفتح التاء وكسر الجيم وبضم التاء وفتح الجيم مجهولا (٧).
__________________
(١) قرئ ، و : ـ ح ي.
(٢) «سخريا» : قرأ المدنيان والأخوان وخلف بضم السين ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(٣) «أنهم» : قرأ الأخوان بكسر الهمزة ، وغيرهما بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(٤) «قالَ كَمْ» : قرأ المكي والأخوان بضم القاف وإسكان اللام على الأمر ، والباقون بفتح القاف واللام وألف بينهما على الماضي. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(٥) «فسأل» : قرأ بالنقل المكي والكسائي وخلف في اختياره ، والباقون بالتحقيق. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(٦) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٤ / ١١١.
(٧) «ترجعون» : قرأ الأخوان ويعقوب وخلف بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء وفتح الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٢١.