أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(١)(وَلا يَتَساءَلُونَ) [١٠١] أي لا يسأل حميم حميما ولا يشكل هذا بقوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ)(٢) ، لأن للساعة مواطن لا يتساءلون في موطن ، إذ كل مشغول عن سؤال صاحبه بحاله لشدة الهول فلا يتعارفون ، وفي موطن يقفون فيتساءلون ، لأنهم فيه يتعارفون.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢))
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي أعماله الصالحة على الأعمال السيئة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [١٠٢] أي الناجون من العذاب في الآخرة.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣))
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) المذكورة ، أي ثقلت أعماله السيئة على الأعمال (٣) الصالحة (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) قوله (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) [١٠٣] أي دائمون بدل من (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، ولا محل للبدل والمبدل منه ، لأن الصلة لا محل لها من الإعراب ، قيل : الكفار يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة (٤) ، فاذا وزنوها لم تزن شيئا كقوله (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)(٥).
(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤))
(تَلْفَحُ) من لفحته النار أو السموم إذا تغير منه لون البشرة ، يعني تنفخ وتحرق (وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها) أي في النار (كالِحُونَ) [١٠٤] أي عابسون بادية أسنانهم كما ترى الرؤوس المشوية ، والكلوح أن تتقلص (٦) الشفتان وتتشمر (٧) عن الأسنان ، روي عن النبي عليهالسلام : «أن النار تشويه فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته» (٨).
(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥))
ثم يقال لهم (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي ألم يقرأ القرآن الذي فيه بيان هذا اليوم وشدته (فَكُنْتُمْ بِها) أي بالآيات (٩)(تُكَذِّبُونَ) [١٠٥] أي تنكرون.
(قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨))
(قالُوا) أي أجابوا بقولهم (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا) أي ملكتنا (شِقْوَتُنا) وقرئ «شقاوتنا» (١٠) ، أي سوء العاقبة الذي كتب علينا في اللوح المحفوظ (وَكُنَّا) أي صرنا (قَوْماً ضالِّينَ) [١٠٦] عن الهداية ، فعند دخولهم النار يقولون (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أي من النار (فَإِنْ عُدْنا) أي إن رجعنا (١١) إلى الكفر أو خالفناك (فَإِنَّا ظالِمُونَ) [١٠٧] فلا يجابون مدة الدنيا مرتين (قالَ) أي ثم يقول لهم ملك (اخْسَؤُا فِيها) أي ابعدوا في جهنم أذلاء ،
__________________
(١) عبس (٨٠) ، ٣٤ ـ ٣٦.
(٢) الصافات (٣٧) ، ٢٧ ؛ والطور (٥٢) ، ٢٥.
(٣) الأعمال ، ي : أعماله ، و ، أعمال ، ح.
(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٥) الكهف (١٨) ، ١٠٥.
(٦) تتقلص ، ح و : يتقلص ، ي.
(٧) وتتشمر ، ح و : ويتشمر ، ي.
(٨) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٨٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ١٦١.
(٩) أي بالآيات ، وي : أي الآيات ، ح.
(١٠) «شقوتنا» : قرأ الأخوان وخلف بفتح الشين والقاف وألف بعدها ، والباقون بكسر الشين وسكون القاف. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(١١) أي إن رجعنا ، و : أي رجعنا ، ح ي.